فصل: الغيبة بالكلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


إزالة الشّعر

42 - لا خلاف بين الفقهاء في تحريم إزالة الشّعر قبل التّحلل وأنّه يجب به الفدية والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 155‏)‏‏.‏

ما يجب على المحرم بلبس المخيط‏,‏ وإماطة الأذى من غير ضرورةٍ

43 - اختلف الفقهاء فيما يجب على المحرم بلبس المخيط وما في معناه وإماطة الأذى من غير ضرورةٍ على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عليه الفدية المنصوص عليها‏.‏

وإليه ذهب‏:‏ المالكيّة‏,‏ والشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وبه قال الأوزاعي‏.‏

القول الثّاني‏:‏ عليه دم فقط‏.‏

وبه قال الحنفيّة‏,‏ وهو مروي عن ابن عبّاسٍ ورواية عن الإمام أحمد‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏إحرام ف 152 - 159‏)‏‏.‏

الكفّارات الواجبة بالجماع ودواعيه

44 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الجماع من مفسدات الحجّ لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ‏}‏‏.‏

كما لا خلاف بينهم في أنّ من وطئ قبل الوقوف بعرفة فقد أفسد حجّه‏,‏ وعليه الكفّارة‏,‏ وكذلك من وطئ من المعتمرين قبل أن يطوف ويسعى ، ولا خلاف بينهم أيضاً في وجوب الكفّارة بالوطء قبل التّحلل الأكبر في الفرج أو دونه‏,‏ من آدميٍّ أو بهيمةٍ‏,‏ أنزل أو لم ينزل‏.‏

كما لا خلاف بينهم في وجوب الكفّارة بمباشرة مقدّمات الجماع من القبلة واللّمس والنّظر وتكراره وغيرها من محظورات الإحرام‏.‏

وإنّما الخلاف بينهما في وجوب الكفّارة على المرأة إذا طاوعته وفي تعدد الكفّارة بتعدد الجماع ودواعيه وأثر النّسيان والجهل في سقوطها‏.‏

وجوب الكفّارة على المرأة الموطوءة

45 - اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة على المرأة إذا طاوعت زوجها على الوطء على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ وجوب الكفّارة عليها كما هي واجبة عليه‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وبه قال ابن عبّاسٍ وسعيد بن المسيّب والنّخعي والضّحّاك‏,‏ والحكم وحمّاد وهو قول للشّافعيّة حكاه الخراسانيون‏.‏

واستدلوا بما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ اهد ناقةً ولتهد ناقةً‏.‏

ولأنّها أحد المتجامعين من غير إكراهٍ‏,‏ فلزمها الكفّارة كالرّجل‏.‏

القول الثّاني‏:‏ عدم وجوب الكفّارة عليها‏,‏ ويجزئهما كفّارة واحدة‏.‏

وإليه ذهب أكثر الشّافعيّة وهو الأصح‏,‏ وروي ذلك عن عطاءٍ‏,‏ وهو رواية عن الإمام أحمد‏.‏

واستدلوا بأنّه جماع واحد فلم يوجب أكثر من كفّارةٍ واحدةٍ كحالة الإكراه‏.‏

تعدد الكفّارة بتعدد الجماع ودواعيه

46 - لا خلاف بين جمهور الفقهاء في تعدد الكفّارة إذا كان الوطء الثّاني بعد التّكفير عن الأوّل‏.‏

وإنّما الخلاف بينهم في تعدد الكفّارة بتعدد الجماع ودواعيه قبل التّكفير على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم تعدد الكفّارة بتعدد الجماع أو دواعيه‏.‏

وإليه ذهب المالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وقول للشّافعيّة‏,‏ وروي ذلك عن عطاءٍ‏,‏ وبه قال محمّد ابن الحسن من الحنفيّة‏.‏

واستدلوا بأنّه جماع موجب للكفّارة‏,‏ فإذا تكرّر قبل التّكفير عن الأوّل‏,‏ لم يوجب كفّارةً ثانيةً كالصّيام‏.‏

وأنّه إذا لم يكفّر عن الأوّل‏,‏ تتداخل كفّارته‏,‏ كما يتداخل حكم المهر والحدّ‏.‏

القول الثّاني‏:‏ تعدد الكفّارة بتعدد الجماع أو دواعيه‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة وهو المشهور عند الشّافعيّة‏,‏ ورواية عن الإمام أحمد‏.‏

واستدلوا بأنّ كلّ وطءٍ سبب للكفّارة بانفراده‏,‏ فأوجبها كالوطء الأوّل‏.‏

وأنّ الإحرام ووجوب الفدية باقيان بارتكاب سائر المحظورات‏,‏ بخلاف الصّوم‏,‏ فإنّه بالجماع الأوّل قد خرج عنه‏.‏

أثر النّسيان والجهل في سقوط الكفّارة

47 - اختلف الفقهاء في سقوط الكفّارة عمّن جامع ناسياً أو جاهلاً لإحرامه على قولين‏:‏ القول الأوّل‏:‏ عدم سقوط الكفّارة بالجهل أو النّسيان‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وهو قول الشّافعيّ في القديم‏.‏

واستدلوا بأنّ الوطء لا يكاد يتطرّق النّسيان إليه بخلاف غيره‏.‏

وأنّ الجماع مفسد للصّوم دون غيره‏,‏ فاستوى عمده وسهوه‏,‏ بخلاف ما دونه‏.‏

وأنّه سبب يتعلّق به وجوب القضاء في الحجّ‏,‏ فاستوى عمده وسهوه كالفوات‏.‏

وبعدم القياس فيه على الصّوم‏,‏ لأنّه قياس مع الفارق‏,‏ فإنّ الصّوم يحصل الفطر فيه قبل تمام حقيقة الجماع‏,‏ وغير الجماع في الصّوم لا يوجب الكفّارة‏,‏ وإنّما تجب الكفّارة بخصوص الجماع فافترقا‏.‏

وأنّ الحكم تعلّق بعين الجماع‏,‏ لأنّ المنهيّ عنه في الإحرام الرّفث والرّفث اسم للجماع‏,‏ وبسبب النّسيان لا ينعدم عين الجماع‏,‏ وهذا لأنّه قد اقترن بحالة ما يذكره‏,‏ وهو هيئة المحرمين‏,‏ فلا يعذر بالنّسيان كما في الصّلاة إذا أكل أو شرب‏,‏ بخلاف الصّوم فإنّه لم يقترن بحالة ما يذكره‏,‏ فجعل النّسيان فيه عذراً في المنع من إفساده‏,‏ بخلاف القياس‏.‏ القول الثّاني‏:‏ سقوط الكفّارة عن الجاهل والنّاسي‏.‏

وبه قال الشّافعي في الجديد‏,‏ وهو الأصح عندهم‏.‏

واستدلوا بأنّ الحجّ عبادة تتعلّق الكفّارة بإفسادها فيختلف حكمها بالعمد والسّهو كالصّوم‏.‏

مجاوزة الميقات بدون إحرامٍ

48 - لا خلاف بين الفقهاء في تحريم مجاوزة الميقات بدون إحرامٍ سواء كان من أهل تلك النّاحية أو من غيرها‏,‏ كالشّاميّ يمر بميقات المدينة‏,‏ وسواء تجاوزه عالماً به أو جاهلاً‏,‏ علم تحريم ذلك أو جهله‏,‏ وأنّه يلزمه العود إليه والإحرام منه إن لم يكن له عذر‏,‏ ولا خلاف بينهم في أنّ من جاوز الميقات بدون إحرامٍ ثمّ عاد إليه قبل أن يحرم فأحرم منه فإنّه لا كفّارة عليه‏.‏

وإنّما الخلاف بينهم في وجوب الكفّارة على من جاوز الميقات بدون إحرامٍ ثمّ أحرم على ثلاثة أقوالٍ‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عليه الدّم مطلقاً‏,‏ أي وإن رجع إلى الميقات‏.‏

وإليه ذهب المالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وابن المبارك‏,‏ وهو رواية عن الثّوريّ‏,‏ وبه قال زفر من الحنفيّة‏.‏

واستدلوا بما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من ترك نسكاً فعليه دم»‏,‏ ولأنّه أحرم دون ميقاته فاستقرّ عليه الدّم كما لو لم يرجع‏.‏

ولأنّ وجوب الدّم بجنايته على الميقات بمجاوزته إيّاه من غير إحرامٍ‏,‏ وجنايته لا تنعدم بعوده فلا يسقط الدّم الّذي وجب‏.‏

القول الثّاني‏:‏ وجوب الكفّارة إن أحرم وتلبّس بنسك ثمّ رجع إلى الميقات‏,‏ فإن لم يتلبّس ورجع إلى الميقات فأحرم منه سقط الدّم عنه في الأصحّ عند الشّافعيّة‏.‏

وهو قول أبي يوسف ومحمّدٍ من الحنفيّة‏.‏

واستدلوا على سقوط الدّم إذا لم يتلبّس بنسك بأنّه قطع المسافة من الميقات محرماً وأدّى المناسك كلّها بعده فكان كما لو أحرم منه‏.‏

وبأنّ الواجب عليه أن يكون محرماً عند الميقات لا أن ينشئ الإحرام عند الميقات فإنّه لو أحرم قبل أن ينتهي إلى الميقات ثمّ مرّ بالميقات محرماً ولم يلبّ عند الميقات لا يلزمه شيء وكذلك إذا عاد إلى الميقات بعد ما أحرم ولم يلبّ لأنّه تدارك ما هو واجب عليه وهو كونه محرماً عند الميقات‏.‏

وعلّلوا عدم سقوط الدّم بعد تلبسه بنسك بأنّ النسك تؤدّى بإحرام ناقصٍ‏.‏

القول الثّالث‏:‏ عدم وجوب الكفّارة إن رجع قبل أن يتلبّس بأعمال الحجّ ولبّى‏,‏ فإن تلبّس أو رجع ولم يلبّ كان عليه الدّم‏,‏ وبه قال أبو حنيفة‏,‏ واستدلّ بما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه أنّه قال لذلك الرّجل ارجع إلى الميقات وإلا فلا حجّ لك‏.‏

ولأنّ المعنى فيه أنّه لمّا انتهى إلى الميقات حلالاً وجب عليه التّلبية عند الميقات والإحرام‏,‏ فإذا ترك ذلك بالمجاوزة حتّى أحرم وراء الميقات‏,‏ ثمّ عاد فإن لبّى فقد أتى بجميع ما هو المستحق عليه‏,‏ فيسقط عنه الدّم‏,‏ وإن لم يلبّ فلم يأت بجميع ما استحق عليه‏.‏

وهذا بخلاف من أحرم قبل أن ينتهي إلى الميقات‏,‏ لأنّ ميقاته هناك موضع إحرامه‏,‏ وقد لبّى عنده‏,‏ فقد خرج الميقات المعهود من أن يكون ميقاتاً للإحرام في حقّه‏,‏ فلهذا لا يضره ترك التّلبية عنده‏,‏ بخلاف ما نحن فيه‏.‏

وجوب الكفّارة على من غسل رأسه بالخطميّ والسّدر

49 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز اغتسال المحرم بالماء والانغماس فيه للنّصّ‏.‏

كما لا خلاف بينهم في كراهية غسل الرّأس واللّحية بالسّدر والخطميّ ونحوهما‏.‏

وإنّما الخلاف بينهم في وجوب الفدية على من غسل رأسه ولحيته بهما أو بأيّهما على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم وجوب الفدية‏.‏

وإليه ذهب الشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وبه قال أبو ثورٍ وابن المنذر والثّوري‏.‏

واستدلوا بما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال في المحرم الّذي وقصه بعيره‏:‏ «اغسلوه بماء وسدرٍ ، وكفّنوه في ثوبين - أو قال‏:‏ ثوبيه - ولا تحنّطوه ، ولا تخمّروا رأسه ، فإنّ اللّه يبعثه يوم القيامة ملبّياً» فقد أمر الرّسول صلى الله عليه وسلم بغسله بالسّدر مع إثبات حكم الإحرام في حقّه‏,‏ والخطمي كالسّدر‏,‏ فلا فدية في غسل الرّأس أو اللّحية بهما‏.‏

وقالوا إنّه ليس بطيب‏,‏ فلم تجب الفدية باستعماله كالتراب‏.‏

القول الثّاني‏:‏ وجوب الفدية‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة‏,‏ وهو رواية عن الإمام أحمد‏.‏

واستدلوا بأنّ الخطميّ من الطّيب‏,‏ فله رائحة وإن لم تكن زكيّة‏,‏ وهو يقتل الهوامّ أيضاً فتتكامل الجناية باعتبار المعنيين‏,‏ فلهذا يلزمه الدّم‏.‏

شم العصفر واستعماله

50 - اختلف الفقهاء في وجوب الفدية باستعمال العصفر أو ما صبغ به على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم وجوب الفدية باستعمال العصفر أو ما صبغ به‏.‏

وإليه ذهب المالكيّة‏,‏ والشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وهو قول جابرٍ وابن عمر وعبد اللّه بن جعفرٍ وعقيل بن أبي طالبٍ‏,‏ ورواية عن عائشة وأسماءٍ رضي الله عنهم‏.‏

واستدلوا بما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهى النّساء في إحرامهنّ عن القفّازين والنّقاب وما مسّ الورس والزّعفران من الثّياب‏,‏ ولتلبس بعد ذاك ما أحبّت من ألوان الثّياب‏,‏ من معصفرٍ أو خزٍّ أو حليٍّ أو سراويل‏,‏ أو خفٍّ أو قميصٍ‏.‏

وبما روي عن عائشة بنت سعدٍ قالت‏:‏ «كنّ أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحرمن في المعصفرات»‏.‏

فقد أباح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للمرأة أن تلبس ما أحبّت من ألوان الثّياب المعصفرة وهي محرِمة‏,‏ فدلّ ذلك على أنّه لا فدية في لبسه‏.‏

ولأنّه قول جماعةٍ من الصّحابة‏,‏ ولم يعرف لهم مخالف‏,‏ فكان إجماعاً‏.‏

ولأنّه ليس بطيب‏,‏ فلم يكره ما صبغ به كالسّواد والمصبوغ بالمغرة‏,‏ ولا يقاس على الورس والزّعفران‏,‏ لأنّ كلاً منهما طيب بخلاف مسألتنا‏.‏

القول الثّاني‏:‏ وجوب الفدية باستعمال العصفر أو ما صبغ به‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ وبه قال الثّوري‏.‏

واستدلوا بما رواه علي رضي الله تعالى عنه‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس القسيّ المعصفر»‏.‏

وبالقياس على المورّس والمزعفر‏,‏ لأنّه صبغ طيّب الرّائحة فأشبه ذلك‏.‏

وجوب الفدية بلبس السّراويل عند عدم الإزار

51 - المحرم ممنوع من لبس القمص والعمائم والسّراويلات والخفاف والبرانس وتجب به الفدية‏,‏ لأنّه فعل محظور في الإحرام فتجب به الفدية كالحلق‏.‏

واختلف الفقهاء في وجوب الفدية على من لبس السّراويل عند عدم الإزار على قولين‏:‏ القول الأوّل‏:‏ عدم وجوب الفدية‏.‏

وإليه ذهب الشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وبه قال عطاء وعكرمة والثّوري‏,‏ وإسحاق وأبو ثورٍ وغيرهم‏.‏

واستدلوا بما رواه ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات يقول‏:‏ «من لم يجد النّعلين فليلبس الخفّين ، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل»‏.‏

وهو صريح في الإباحة‏,‏ ظاهر في إسقاط الفدية‏,‏ لأنّه أمر بلبسه ولم يذكر فيه فديةً‏.‏

كما يقتضي تجويز اللبس عند فقد الإزار‏,‏ والأصل في مباشرة الجائزات نفي المؤاخذة‏,‏ فدلّ هذا على عدم وجوب الفدية باستعمال السّراويل للمحرم عند عدم وجود الإزار‏.‏

وقالوا‏:‏ لبس السّراويل مختص بحالة عدم وجود غيره ‏"‏ الإزار ‏"‏ فلم تجب به فدية‏,‏ قياساً على من عدم النّعلين‏,‏ فإنّ له لبس الخفّين المقطوعين‏,‏ ولا فدية عليه بالاتّفاق‏,‏ والفرق بينه وبين ما قاسوا عليه من تحريم لبس القميص إذا لم يجد الرّداء لا يجب عليه لبسه‏,‏ فلا ضرورة إليه‏,‏ بخلاف الإزار فإنّه يجب لبسه لستر العورة‏,‏ فإذا لم يجد عدل إلى السّراويل ولأنّ السّراويل لا يمكنه أن يتّزر به‏,‏ ويمكنه أن يرتدي القميص ‏"‏ لذا قلنا ‏"‏ لو أمكنه أن يتّزر بالسّراويل لم يجز لبسه‏.‏

وقالوا إنّ حديث عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما الّذي ورد فيه النّهي مطلقاً عن لبس هذه الأشياء عام مخصوص بحديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما فيحمل العام على الخاصّ‏.‏ القول الثّاني‏:‏ وجوب الفدية‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

واستدلوا بالقياس على لبس القميص‏,‏ فكما يحرم لبسه إذا لم يجد الرّداء وتجب الفدية به‏,‏ فكذا السّراويل إذا لم يجد الإزار فإنّه تجب الفدية بلبسه‏.‏

لبس الخفّين لعدم النّعلين

52 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز لبس الخفّين عند عدم النّعلين‏.‏

وإنّما الخلاف بينهم في وجوب الفدية على من لم يقطعهما إذا لبسهما لعدم النّعلين‏,‏ وفي وجوبها على من لبسهما مقطوعين مع وجود النّعلين‏.‏

وجوب الكفّارة لعدم قطع الخفّين

53 - اختلف الفقهاء في وجوب الفدية على من لم يقطع الخفّين عند لبسهما لعدم النّعلين على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ وجوب الفدية بعدم قطع الخفّين‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة‏,‏ والشّافعيّة‏,‏ وهو الرّواية الثّانية عن الإمام أحمد‏,‏ وبه قال عروة بن الزبير والنّخعي والثّوري وإسحاق وابن المنذر وهو مروي عن عمر بن الخطّاب وعبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما‏.‏

واستدلوا بما روي عن ابن عمر أنّ رجلاً سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما يلبس المحرم من الثّياب ‏؟‏ فذكر الحديث إلى أن قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إلا أحد لا يجد النّعلين فليلبس الخفّين وليقطعهما أسفل من الكعبين»‏.‏

وهو نص في وجوب قطع الخفّين‏,‏ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقطعهما‏,‏ والأمر للوجوب‏,‏ فإذا لم يقطعه فقد خالف واجباً من واجبات الحجّ‏,‏ فتجب عليه الفدية‏,‏ كما أنّه تضمّن زيادةً على حديث ابن عبّاسٍ‏,‏ والزّيادة من الثّقة مقبولة‏.‏

القول الثّاني‏:‏ عدم وجوب الفدية بعدم قطع الخفّين‏.‏

وإليه ذهب الحنابلة‏,‏ وهو قول عطاءٍ وعكرمة وسعيد بن سالم القدّاح‏,‏ وهو مروي عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنهما وهو الرّواية المشهورة عن أحمد‏.‏

واستدلوا بحديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «السّراويل لمن لم يجد الإزار والخفّان لمن لم يجد النّعلين»‏.‏

وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من لم يجد نعلين فليلبس خفّين ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل»‏.‏

فقد أباح النّبي صلى الله عليه وسلم لبس الخفّين مطلقاً لمن لم يجد النّعلين‏,‏ والسّراويل لمن لم يجد الإزار‏,‏ فدلّ هذا بعمومه على عدم وجوب الفدية على من لم يقطع الخفّين‏,‏ إذا لبسهما عند عدم النّعلين‏,‏ ويؤيّد هذا قول عليّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قطع الخفّين فساد ، يلبسهما كما هما‏.‏

وقالوا إنّه ملبوس أبيح لعدم غيره‏,‏ فأشبه السّراويل‏.‏

وإن قطعه لا يخرجه عن حالة الحظر‏,‏ فإنّ لبس المقطوع محرّم مع القدرة على النّعلين كلبس الصّحيح‏.‏

وإنّ في القطع إتلاف المال وإضاعته‏,‏ وقد نهى النّبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال‏.‏

لبس الخفّين مقطوعين مع وجود النّعلين

54 - اختلف الفقهاء في وجوب الفدية على من لبس الخفّين مقطوعين مع وجود النّعلين على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ وجوب الفدية بلبس المقطوع مع وجود النّعل‏.‏

وإليه ذهب المالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وهو الأصح عند الشّافعيّة وبه قال أبو ثورٍ‏.‏

واستدلوا بالأحاديث السّابقة المرويّة عن ابن عمر وابن عبّاسٍ وجابرٍ رضي الله عنهم‏,‏ فقد شرط النّبي صلى الله عليه وسلم في إباحة لبس الخفّين عدم النّعلين‏,‏ فدلّ هذا على أنّه لا يجوز اللبس مع وجودهما‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّه مخيط لعضو على قدره‏,‏ فوجبت على المحرم الفدية بلبسه كالقفّازين‏,‏ ولأنّه يترفه بلبس الخفّين في دفع الحرّ والبرد والأذى‏,‏ فتجب به الفدية‏.‏

القول الثّاني‏:‏ عدم وجوب الفدية بلبس المقطوع مع وجود النّعل‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ وبه قال بعض الشّافعيّة‏.‏

واستدلوا بأنّه صار كالنّعل بدليل عدم جواز المسح عليه لأنّه بالقطع صار في معنى النّعلين لأنّه لا يستر الكعب‏.‏

لبس القفّازين

55 - لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الفدية على الرّجل بلبس القفّازين‏.‏

وإنّما الخلاف بينهم في وجوبها على المرأة إذا لبست القفّازين على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ وجوب الفدية على المرأة بلبس القفّازين‏.‏

وإليه ذهب المالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وهو الأصح عند الشّافعيّة‏,‏ وبه قال عطاء وطاوس ومجاهد والنّخعي وإسحاق‏.‏

واستدلوا بما روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفّازين»‏.‏

والحديث نص في تحريم لبس القفّازين على المرأة في حال إحرامها‏,‏ ويلزم منه وجوب الفدية عليها‏,‏ لأنّها لبست ما نهيت عن لبسه في الإحرام‏,‏ فلزمتها الفدية كالنّقاب‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ اليد عضو لا يجب على المرأة ستره في الصّلاة‏,‏ فلا يجوز لها ستره في الإحرام كالوجه‏.‏

وإنّ الرّجل لمّا وجب عليه كشف رأسه تعلّق حكم إحرامه بغيره‏,‏ فمنع من لبس المخيط في سائر بدنه‏,‏ كذلك المرأة لمّا لزمها كشف وجهها‏,‏ ينبغي أن يتعلّق حكم الإحرام بغير ذلك البعض‏,‏ وهو اليدان‏.‏

وإنّ الإحرام تعلّق بيدها تعلقه بوجهها‏,‏ لأنّ واحداً منهما ليس بعورة‏.‏

القول الثّاني‏:‏ عدم وجوب الفدية على المرأة إذا لبست القفّازين‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ وهو قول للشّافعيّة‏,‏ وروي ذلك عن عليٍّ وعائشة وسعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنهم‏,‏ وبه قال الثّوري‏.‏

واستدلوا بما روي أنّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إحرام المرأة في وجهها»‏.‏

وهو صريح في أنّ إحرام المرأة الّذي يجب كشفه إلا لضرورة هو وجهها‏,‏ وهذا يدل على عدم وجوب الفدية بتغطية ما عدا الوجه لأنّه خصّ الوجه بالحكم‏,‏ فدلّ على أنّ ما عداه بخلافه‏.‏

وبما روي عن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه أنّه كان يلبس بناته القفّازين وهنّ محرمات‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّه عضوٌ يجوز ستره بغير المخيط‏,‏ فجاز ستره به كالرّجلين‏.‏

تخمير المحرم وجهه

56 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ إحرام المرأة في وجهها‏,‏ وأنّ لها أن تغطّي رأسها وتستر شعرها‏,‏ كما لا خلاف بينهم في أنّ الرّجل المحرم لا يخمّر رأسه‏.‏

وإنّما الخلاف في وجوب الفدية على الرّجل المحرم بتخمير وجهه على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم وجوب الفدية بتخمير الوجه‏.‏

وإليه ذهب الشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وروي ذلك عن عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوفٍ وزيد بن ثابتٍ وابن الزبير وسعد بن أبي وقّاصٍ وجابرٍ رضي الله عنهم والقاسم وطاوسٍ والثّوريّ وأبي ثورٍ‏.‏

واستدلوا بما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرّجل في رأسه»‏.‏

وبما روي في حديث ابن عبّاسٍ المذكور آنفاً أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في الرّجل الّذي وقصه بعيره‏:‏ «خمّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه»‏.‏

وبما روي أنّ عثمان بن عفّان وزيد بن ثابتٍ رضي الله عنهما ومروان بن الحكم كانوا يخمّرون وجوههم وهم حرم‏.‏

وبما ورد عن عبد اللّه بن عامر بن ربيعة قال‏:‏ رأيت عثمان بن عفّان بالعرج وهو محرم في يومٍ صائفٍ قد غطّى وجهه بقطيفة أرجوانٍ‏.‏

يقول ابن قدامة‏:‏ فبهذا عمل عثمان بن عفّان وزيد بن ثابتٍ ومروان بن الحكم‏,‏ وهو قول غيرهم ممّن سمّينا من الصّحابة‏,‏ ولم يعرف لهم مخالف‏,‏ فكان إجماعاً‏.‏

القول الثّاني‏:‏ وجوب الفدية بتخمير الوجه‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة‏,‏ وهو الرّواية الثّانية عن الإمام أحمد‏.‏

واستدلوا بما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما‏:‏ أنّ رجلاً وقع عن راحلته - وهو محرم - فوقصته‏,‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اغسلوه بماء وسدرٍ ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تخمّروا رأسه ولا وجهه ، فإنّه يبعث يوم القيامة يلبّي»‏.‏

فهو نص في أنّ المحرم لا يغطّي رأسه ولا وجهه‏,‏ فمن فعل خلاف ذلك يكون مرتكباً لمحظور تجب به الفدية‏.‏

وروى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ ما فوق الذّقن من الرّأس لا يخمّره المحرم‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها‏,‏ فيحرم على الرّجل تغطية رأسه‏.‏

خامساً‏:‏ كفّارة الظّهار

57 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ المسلم الحرّ إذا قال لامرأته‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي‏,‏ يكون مظاهراً منها‏,‏ ويلزمه للعود إليها كفّارة الظّهار‏.‏

كما لا خلاف بينهم في عدم وجوب الكفّارة بالظّهار المعلّق على شرطٍ إلا إذا تحقّق الشّرط‏.‏ ولا خلاف بينهم في أنّ من ظاهر من أربع نسوةٍ له بكلمة واحدةٍ أو بكلمات يكون مظاهراً منهنّ جميعاً‏.‏

ولا خلاف بينهم في تعدد الكفّارة على من ظاهر من زوجته فكفّر ثمّ ظاهر‏.‏

ولا خلاف بينهم على توافر شرط القدرة على أداء الكفّارة‏.‏

ولا خلاف بينهم أيضاً على أنّ المظاهر يحرم عليه وطء زوجته قبل التّكفير‏,‏ وعلى أنّ من جامع قبل التّكفير يكون آثماً وعاصياً لمخالفته أمر اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا‏}‏‏.‏ واختلفوا فيما عدا ذلك على تفصيلٍ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏ظهار ف 8 وما بعدها‏)‏‏.‏

وجوب الكفّارة على المرأة إذا ظاهرت من زوجها

58 - اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة على المرأة إذا ظاهرت من زوجها كأن تقول لزوجها‏:‏ أنت عليّ كظهر أبي‏,‏ أو تقول‏:‏ إن تزوّجت فلاناً فهو عليّ كظهر أبي‏,‏ وذلك على ثلاثة أقوالٍ‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم وجوب الكفّارة عليها لعدم صحّة الظّهار منها‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة‏,‏ وهو رواية عند الحنابلة‏,‏ وبه قال إسحاق وأبو ثورٍ والثّوري وسالم ويحيى بن سعيدٍ وربيعة وأبو الزّناد‏.‏

واستدلوا بقولـه تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ‏}‏ ووجه الدّلالة من الآية‏:‏ أنّ الخطاب فيها موجّه للرّجال‏,‏ وليس للنّساء‏,‏ لأنّ اللّه عزّ وجلّ قال‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ‏}‏ ولم يقل‏:‏ واللائي تظاهرن منكم من أزواجهنّ‏,‏ فدلّ ذلك على أنّ الظّهار إنّما هو خاص بالرّجال‏.‏

وقالوا إنّ الظّهار قول يوجب التّحريم في الزّوجة‏,‏ ويملك الزّوج رفعه‏,‏ لأنّه مختص بالنّكاح‏,‏ فاختصّ به الرّجل دون المرأة‏,‏ لأنّها لا تملك التّحريم بالقول كالطّلاق‏.‏

وأضافوا إنّ الحلّ والعقد - التّحليل والتّحريم - في النّكاح بيد الرّجال وليس بيد المرأة منه شيء‏,‏ فهو حق للرّجل‏,‏ فلم تملك المرأة إزالته كسائر حقوقه‏.‏

القول الثّاني‏:‏ إنّه ليس بظهار وهذا عند الحنابلة‏.‏

قال القاضي‏:‏ لا تكون مظاهرةً رواية واحدة‏,‏ واختلف عن أحمد في الكفّارة‏.‏

فنقل عنه جماعة‏:‏ عليها كفّارة الظّهار لما روى الأثرم بإسناده عن إبراهيم أنّ عائشة بنت طلحة قالت‏:‏ إنّي تزوّجت مصعب بن الزبير فهو عليّ كظهر أبي‏,‏ فسألت أهل المدينة فرأوا أنّ عليها الكفّارة‏,‏ ولأنّها زوج أتى بالمنكر من القول والزور فلزمه كفّارة الظّهار‏.‏ والرّواية الثّانية عن أحمد‏:‏ ليس عليها كفّارة‏,‏ لأنّه قول منكر وزور وليس بظهار‏,‏ فلم يوجب كفّارةً‏.‏

والرّواية الثّالثة‏,‏ عليها كفّارة اليمين‏:‏ قال ابن قدامة وهذا أقيس على مذهب أحمد وأشبه بأصوله‏,‏ لأنّه ليس بظهار‏,‏ ومجرّد القول من المنكر والزور لا يوجب كفّارة الظّهار‏.‏ القول الثّالث‏:‏ إنّه ظهار وعليها كفّارة الظّهار‏,‏ وهذا قول أبي يوسف والحسن بن زيادٍ‏,‏ لأنّ المعنى في جانب الرّجل تشبيه المحلّلة بالمحرّمة وذلك يتحقّق في جانبها‏,‏ والحل مشترك بينهما‏.‏

سقوط الكفّارة بالاستثناء بالمشيئة

59 - اختلف الفقهاء في سقوط الكفّارة بالاستثناء بالمشيئة في الظّهار على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ سقوط الكفّارة بالاستثناء بالمشيئة في الظّهار وعدم انعقاده‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وبه قال أبو ثورٍ واستدلوا بما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من حلف فاستثنى فإن شاء مضى وإن شاء ترك غير حنثٍ»‏.‏ وفي لفظٍ‏:‏ «من حلف على يمينٍ فقال إن شاء اللّه فقد استثنى فلا حنث عليه»‏.‏

وجه الدّلالة من هذا الحديث‏:‏ أنّه يدل بعمومه على أنّ قصد التّعليق بالمشيئة يمنع الانعقاد في الطّلاق والظّهار وغيرهما من الأيمان لأنّها داخلة في عموم الحديث‏.‏

واستدلوا بقياس الظّهار على اليمين باللّه تعالى بجامع التّكفير في كلٍّ‏,‏ ولمّا كانت اليمين باللّه تعالى يصح الاستثناء فيها ويمنع انعقادها‏,‏ فكذلك الظّهار‏.‏

القول الثّاني‏:‏ عدم سقوط الكفّارة بالاستثناء بالمشيئة في الظّهار لانعقاده وإليه ذهب المالكيّة‏.‏

واستدلوا بأنّ الطّلاق والعتاق والمشي والصّدقة‏,‏ وكذلك الظّهار‏,‏ ليست أيماناً شرعيّةً‏,‏ بل هي إلزامات‏,‏ بدليل أنّ حروف القسم لا تدخل عليها وأنّ الحلف بها ممنوع‏,‏ فلو قال‏:‏ يلزمه الطّلاق إن شاء اللّه‏,‏ أو يلزمه الظّهار إن شاء اللّه‏.‏

لزمه ولا اعتبار لمشيئته‏.‏

سقوط الكفّارة بمضيّ الوقت في الظّهار المؤقّت

60 - اختلف الفقهاء في سقوط الكفّارة بمضيّ الوقت في الظّهار المؤقّت كأن يقول الزّوج‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي شهراً‏,‏ أو حتّى ينسلخ الشّهر أو شهر رمضان على تفصيلٍ ينظر في‏:‏ ‏(‏ظهار ف 6‏)‏‏.‏

تعدد الكفّارة بتعدد الظّهار

اختلف الفقهاء في تعدد الكفّارة على من ظاهر من زوجته مراراً ولم يكفّر‏,‏ وفي تعددها‏,‏ على من ظاهر من أربع نسوةٍ له بلفظ واحدٍ أو بكلمات‏.‏

أ - تعدد الكفّارة على من ظاهر من امرأته مراراً ولم يكفّر‏:‏

61 - اختلف الفقهاء في تعدد الكفّارة على من ظاهر من زوجته مراراً ولم يكفّر على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم تعدد الكفّارة على من ظاهر من زوجته مراراً ولم يكفّر مطلقاً سواء كان في مجلسٍ أو في مجالس‏,‏ نوى بذلك التّأكيد أو الاستئناف أو أطلق‏.‏

وإليه ذهب المالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وبه قال عطاء وجابر بن زيدٍ وطاوس والشّعبي والزهري وإسحاق وأبو عبيدٍ وأبو ثورٍ‏,‏ واختاره أبو بكرٍ وابن حامدٍ والقاضي‏,‏ وروي ذلك عن عليٍّ رضي الله عنه‏,‏ وهو قول الشّافعيّ في القديم‏.‏

واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏‏.‏ ففيها دلالة على عدم تعدد الكفّارة على من ظاهر من زوجته مراراً‏,‏ لأنّها عامّة تتناول من ظاهر مرّةً واحدةً‏,‏ ومن ظاهر مراراً كثيرةً‏,‏ فإنّ اللّه تعالى أوجب عليه تحرير رقبةٍ فتبيّن بذلك أنّ التّكفير الواحد كافٍ في الظّهار‏,‏ سواء كان مرّةً واحدةً أم مراراً كثيرةً‏.‏

كما استدلوا بأنّه قول لم يؤثّر تحريماً في الزّوجة‏,‏ لأنّها قد حرمت بالقول الأوّل‏,‏ فلم تجب به كفّارة الظّهار كاليمين باللّه تعالى‏.‏

وأنّه لفظ يتعلّق به كفّارة‏,‏ فإذا كرّره كفاه واحدة‏,‏ كاليمين باللّه تعالى‏.‏

القول الثّاني‏:‏ تعدد الكفّارة على من ظاهر من زوجته مراراً ولم يكفّر إذا لم يرد به التّأكيد‏.‏ وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ وروي ذلك عن عليٍّ رضي الله عنه‏,‏ وعمرو بن دينارٍ وقتادة‏.‏ واستدلّ هؤُلاء بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏‏.‏

وجه الدّلالة من الآية‏:‏ أنّها تفيد تعدد الكفّارة بتعدد الظّهار لأنّها تقتضي كون الظّهار علّةً لإيجاب الكفّارة‏,‏ فإذا وجد الظّهار الثّاني وجدت علّة وجوب الكفّارة‏,‏ وهذا الظّهار الثّاني‏:‏ إمّا أن يكون علّةً للكفّارة الأولى‏,‏ أو لكفّارة ثانيةٍ والأوّل باطل لأنّ الكفّارة الأولى وجبت بالظّهار الأوّل‏,‏ فتكوين الكائن محال‏,‏ كما أنّ تأخر العلّة عن الحكم محال‏,‏ فثبت أنّ الظّهار الثّاني يوجب كفّارةً ثانيةً‏.‏

كما استدلوا بقياس الظّهار على الطّلاق‏,‏ فإذا نوى الاستئناف تعلّق بكلّ مرّةٍ حكم كالطّلاق‏.‏ وأنّ كلّ ظهارٍ يوجب تحريماً لا يرتفع إلا بالكفّارة‏,‏ فيجب في كلّ ظهارٍ كفّارة‏.‏

وأنّ تكرار الظّهار في امرأةٍ واحدةٍ كتكرار اليمين‏,‏ فكما يجب باعتبار كلّ يمينٍ كفّارةً‏,‏ فكذلك يجب باعتبار كلّ ظهارٍ كفّارةً‏.‏

وإنّما اشترطوا أن لا يقصد به التّأكيد‏,‏ لأنّ الإنسان قد يكرّر اللّفظ‏,‏ ويقصد به التّغليظ والتّشديد دون إرادة التّجديد‏.‏

ولأنّ الظّهار لا يوجب نقصان العدد في الطّلاق‏,‏ لأنّه ليس بطلاق ولا يوجب البينونة وإن طالت المدّة‏,‏ كما أنّه لا يوجب زوال الملك وإنّما يحرم الوطء قبل التّكفير مع قيام الملك‏.‏ وفصّل الشّافعيّة فقالوا‏:‏ لو كرّر لفظ الظّهار في امرأةٍ واحدةٍ تكريراً متّصلاً وقصد به تأكيداً فظهار واحد‏,‏ وإن قصد به استئنافاً فالأظهر الجديد التّعدد‏,‏ وإن فصل بين ألفاظ الظّهار المكرّر وقصد بتكرير الظّهار استئنافاً فالأظهر التّعدد وكذا لو قصد تأكيداً فإنّه لا يقبل في الأصحّ‏.‏

ب - تعدد الكفّارة على من ظاهر من أربع نسوةٍ له بلفظ واحدٍ‏:‏

62 - اختلف الفقهاء في تعدد الكفّارة على من ظاهر من أربع نسوةٍ له بلفظ واحدٍ على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم تعدد الكفّارة على من ظاهر من أربع نسوةٍ له بلفظ واحدٍ‏.‏

وإليه ذهب المالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وهو قول عليٍّ وعمر وعروة وطاوسٍ وعطاءٍ وربيعة والأوزاعيّ وإسحاق وأبي ثورٍ‏,‏ والشّافعيّ في القديم‏.‏

وقيّد المالكيّة عدم التّعدد بما إذا لم ينو كفّاراتٍ وإلا تعدّدت‏.‏

واستدلّ هذا الفريق بما حكي من عموم قول عمر وعليٍّ رضي الله عنهم حيث قالا‏:‏ إذا كان تحت الرّجل أربع نسوةٍ فظاهر منهنّ يجزيه كفّارة واحدة‏,‏ رواه الدّارقطنيّ عن ابن عبّاسٍ عن عمر - رضي اللّه عنهم جميعاً - ورواه الأثرم عن عمر وعليٍّ رضي الله عنهم ولا نعرف لهما في الصّحابة مخالفاً‏,‏ فكان إجماعاً‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّها يمين واحدة‏,‏ فلم يجب بها أكثر من كفّارةٍ واحدةٍ كاليمين باللّه تعالى‏.‏

وإنّ الظّهار كلمة تجب بمخالفتها الكفّارة‏,‏ فإذا وجدت في جماعةٍ أوجبت كفّارةً واحدةً كاليمين باللّه تعالى‏.‏

وإنّ الظّهار هاهنا بكلمة واحدةٍ‏,‏ والكفّارة الواحدة ترفع حكمها وتمحو إثمها‏,‏ فلا يبقى لها حكم‏.‏

القول الثّاني‏:‏ تعدد الكفّارة بتعدد النّسوة اللائي ظاهر منهنّ بلفظ واحدٍ‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والشّافعي في الجديد‏,‏ وبه قال الحسن‏,‏ والنّخعي والزهري ويحيى الأنصاري والحكم والثّوريّ‏.‏

واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا‏}‏‏.‏

ووجه الدّلالة من هذه الآية أنّها أفادت تعدد الكفّارة بتعدد اللّواتي ظاهر منهنّ‏,‏ لأنّها تقتضي كون الظّهار علّةً لإيجاب الكفّارة‏,‏ فإذا وجد الظّهار وجدت علّة وجوب الكفّارة‏,‏ فإذا ظاهر منهنّ بكلمة واحدةٍ لزمه كفّارات بعدد اللّواتي ظاهر منهنّ‏.‏

وبيانه‏:‏ أنّه ظاهر من هذه‏,‏ فلزمه كفّارة بسبب هذا الظّهار‏,‏ وظاهر أيضاً من الثّانية‏,‏ فالظّهار الثّاني لا بدّ وأن يوجب كفّارةً أخرى وهكذا‏.‏

وقالوا إنّ الظّهار يوجب تحريماً مؤقّتًا يرتفع بالكفّارة‏,‏ فإذا أضافه إلى محالٍّ مختلفةٍ‏,‏ يثبت في كلّ محلٍّ حرمة لا ترتفع إلا بالكفّارة كالتّطليقات الثّلاث لما كانت توجب حرمةً مؤقّتةً ترتفع بزوج آخر‏,‏ فإذا أوجبها في أربع نسوةٍ بكلمة واحدةٍ‏,‏ تثبت في حقّ كلّ واحدةٍ منهنّ حرمة لا ترتفع إلا بزوج‏.‏

وإنّ الظّهار وإن كان بكلمة واحدةٍ‏,‏ فإنّها تتناول كلّ واحدةٍ منهنّ على حيالها‏,‏ فصار مظاهراً من كلّ واحدةٍ منهنّ‏,‏ والظّهار لا يرتفع إلا بالكفّارة‏,‏ فإذا تعدّد التّحريم تتعدّد الكفّارة‏.‏

وإنّه وجب الظّهار والعود في حقّ كلّ امرأةٍ منهنّ‏,‏ فوجب عليه عن كلّ واحدةٍ كفّارة‏,‏ كما لو أفردها به‏.‏

ج - تعدد الكفّارة على من ظاهر من نسائه بكلمات‏:‏

63 - اختلف الفقهاء في تعدد الكفّارة على من ظاهر من نسائه بكلمات‏,‏ كأن قال لكلّ واحدةٍ منهنّ‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي‏,‏ على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ تعدد الكفّارة على من ظاهر من نسائه بكلمات‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ والشّافعيّة‏.‏

وبه قال عروة وعطاء والأوزاعي وإسحاق والثّوري وأبو ثورٍ‏,‏ والحكم ويحيى الأنصاري‏,‏ وعامّة فقهاء الأمصار‏.‏

وفصّل الشّافعيّة فقالوا‏:‏ لو ظاهر من نسائه الأربع بأربع كلماتٍ فإن لم يوالها كان مظاهراً منهنّ لوجود لفظ الظّهار الصّريح‏,‏ فإن أمسكهنّ زمناً يسع طلاقهنّ فعائد منهنّ‏,‏ وتجب عليه أربع كفّاراتٍ لوجود الظّهار والعود في حقّ كلّ واحدةٍ منهنّ‏.‏

وإن والاها صار بظهار الثّانية عائداً في الأولى‏,‏ وبظهار الثّالثة عائداً في الثّانية وبظهار الرّابعة عائداً في الثّالثة‏,‏ فإن فارق الرّابعة عقب ظهارها فعليه ثلاث كفّاراتٍ‏,‏ وإلا فأربع‏.‏ واستدلوا بأنّها أيمان متكرّرة على أعيانٍ متفرّقةٍ فكان لكلّ واحدةٍ كفّارة كما لو كفّر ثمّ ظاهر‏.‏

وأنّها أيمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى‏,‏ فلا تكفّرها كفّارة واحدة كالأصل‏.‏

وأنّ الظّهار معنىً يوجب الكفّارة‏,‏ فتتعدّد الكفّارة بتعدده في المحالّ المختلفة كالقتل‏.‏

القول الثّاني‏:‏ لا تتعدّد الكفّارة وتجزئه كفّارة واحدة‏.‏

قال أبو بكرٍ‏:‏ هو رواية ثانية عن أحمد واختارها‏,‏ وقال‏:‏ هذا الّذي قلناه اتّباعاً لعمر بن الخطّاب والحسن وعطاءٍ وإبراهيم وربيعة وقبيصة‏.‏

واستدلوا بأنّ كفّارة الظّهار حق للّه تعالى فلم تتكرّر بتكرر سببها كالحدّ‏.‏

د - تعدد الكفّارة بالوطء قبل التّكفير‏:‏

64 - اختلف الفقهاء في تعدد الكفّارة بالجماع قبل التّكفير‏,‏ وعدم تعددها على قولين‏:‏ القول الأوّل‏:‏ عدم تعدد الكفّارة بالجماع قبل التّكفير‏.‏

وإليه ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ الحنفيّة والمالكيّة‏,‏ والشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وروي ذلك عن سعيد بن المسيّب وعطاءٍ وطاوسٍ وجابر بن زيدٍ ومورّقٍ العجليّ وأبي مجلزٍ والنّخعيّ وعبد اللّه بن أذينة والثّوريّ والأوزاعيّ وإسحاق وأبي ثورٍ‏.‏

واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا‏}‏‏.‏

فهذه الآية قد دلّت على تعدد الكفّارة بالجماع قبل التّكفير لأنّها أفادت أنّه يجب على المظاهر كفّارة قبل العود‏,‏ فإذا جامع قبل التّكفير فقد فاتت صفة القبليّة‏,‏ فيبقى أصل الوجوب‏,‏ ولأنّه لا دلالة فيها على أنّ ترك تقديم الكفّارة على الجماع‏,‏ يوجب كفّارةً أخرى‏.‏

كما استدلوا بما روي‏:‏ «أنّ رجلاً ظاهر من زوجته فوقع عليها قبل أن يكفّر‏,‏ فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ما حملك على هذا ‏؟‏ فقال‏:‏ رأيت خلخالها في ضوء القمر ، فقال له الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ فاعتزلها حتّى تكفّر عنك»‏.‏

فهذا الحديث نص في عدم تعدد الكفّارة بالوطء قبل التّكفير‏,‏ لأنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم أمره باعتزال زوجته حتّى يكفّر ولم يأمره بتكرار التّكفير لجماعه زوجته قبل أن يكفّر عن ظهاره‏,‏ وإنّما أمره أن يكفّر تكفيراً واحداً‏,‏ إذ لو كان الواجب متعدّداً لبيّنه له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأنّه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‏.‏

القول الثّاني‏:‏ تعدد الكفّارة بالجماع قبل التّكفير‏.‏

وبه قال عمرو بن العاص وسعيد بن جبيرٍ وقبيصة بن ذؤيبٍ والزهري وقتادة وابن شهابٍ وعبد الرّحمن بن مهديٍّ‏.‏

واستدلوا بأنّ الكفّارة الأولى للظّهار الّذي اقترن به العود‏,‏ والثّانية وجبت للوطء المحرّم‏,‏ كالوطء في نهار رمضان‏.‏

وبأنّ الكفّارة تتعدّد عقوبةً له على إقدامه على الحرام‏.‏

وجوب الكفّارة بمجرّد الظّهار دون العود

65 - اختلف الفقهاء في وجوب الكفّارة بمجرّد الظّهار دون العود على قولين‏:‏

القول الأوّل‏:‏ عدم وجوب الكفّارة دون العود‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ والمالكيّة‏,‏ والشّافعيّة‏,‏ والحنابلة‏,‏ وبه قال عطاء والنّخعي والأوزاعي والثّوري والحسن وأبو عبيدٍ‏.‏

واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا‏}‏‏.‏

ووجه الدّلالة من الآية‏:‏ أنّها نص في معنى وجوب تعلق الكفّارة بالعود‏,‏ لأنّ الكفّارة وجبت في الآية بأمرين هما‏:‏ ظهار وعود‏,‏ فلا تثبت بأحدهما‏.‏

وبقياس كفّارة الظّهار على كفّارة اليمين‏,‏ فكما أنّ الكفّارة في اليمين إنّما تلزم بالمخالفة أو بإرادة المخالفة‏,‏ فكذلك الأمر في الظّهار‏.‏

وبأنّ الكفّارة في الظّهار كفّارة يمينٍ‏,‏ فلا يحنث بغير الحنث كسائر الأيمان‏,‏ والحنث فيها هو العود‏.‏

القول الثّاني‏:‏ وجوب الكفّارة بمجرّد الظّهار دون العود وبه قال طاوس ومجاهد والشّعبي والزهري وقتادة‏.‏

واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا‏}‏‏.‏

ووجه الدّلالة من الآية‏:‏ أنّها تفيد وجوب الكفّارة بمجرّد الظّهار‏,‏ لأنّ اللّه عزّ وجلّ قال‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏ والعود‏:‏ هو العود بالظّهار في الإسلام‏,‏ لأنّ معنى الآية‏:‏ أنّ الظّهار كان طلاق الجاهليّة‏,‏ فنسخ تحريمه بالكفّارة‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ الظّهار سبب للكفّارة‏,‏ وقد وجد فتجب الكفّارة وأنّه معنىً يوجب الكفّارة العليا‏,‏ فوجب أن يوجبها بنفسه لا بمعنى زائدٍ‏,‏ تشبيهاً بكفّارة القتل والفطر‏.‏

وإنّ الكفّارة وجبت لقول المنكر والزور‏,‏ وهذا يحصل بمجرّد الظّهار‏.‏

العود الموجب للكفّارة

66 - اختلف الفقهاء في بيان معنى العود على أربعة أقوالٍ‏:‏

القول الأوّل‏:‏ العود هو العزم على الوطء‏.‏

وإليه ذهب الحنفيّة‏,‏ وهي الرّواية الصّحيحة المشهورة عند أصحاب مالكٍ وبه قال القاضي وأصحابه‏.‏

القول الثّاني‏:‏ العود هو الوطء‏.‏

وإليه ذهب الحنابلة‏,‏ وحكي ذلك عن الحسن وطاوسٍ والزهريّ وهو رواية عن مالكٍ لكنّها ضعيفة عند أصحابه‏.‏

القول الثّالث‏:‏ العود هو أن يمسكها في النّكاح زمناً يمكنه فيه مفارقتها‏,‏ وإليه ذهب الشّافعيّة‏.‏

القول الرّابع‏:‏ العود هو تكرار لفظ الظّهار وإعادته‏.‏

وإليه ذهب بكير بن الأشجّ وأبو العالية‏,‏ وهو قول الفرّاء‏.‏

وقد استدلّ أصحاب القول الأوّل‏:‏ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا‏}‏‏.‏

ووجه الدّلالة من الآية أنّها نص في وجوب الكفّارة عند العزم على الوطء‏,‏ كأنّه تعالى قال‏:‏ إذا عزمت على الوطء فكفّر قبله‏,‏ كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ‏}‏‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّه قصد بالظّهار تحريمها‏,‏ فالعزم على وطئها عود فيما قصد‏.‏

وإنّ الظّهار تحريم‏,‏ فإذا أراد استباحتها فقد رجع في ذلك التّحريم‏,‏ فكان عائداً‏.‏

وإنّ المفهوم من الظّهار هو أنّ وجوب الكفّارة فيه‏,‏ إنّما يكون بإرادته العودة إلى ما حرّم على نفسه بالظّهار‏,‏ وهو الوطء‏,‏ وإذا كان ذلك كذلك‏,‏ وجب أن تكون العودة إمّا الوطء نفسه‏,‏ أو العزم عليه وإرادته‏.‏

واستدلّ أصحاب القول الثّاني‏:‏ بأنّ العود فعل ضد قوله‏,‏ ومنه العائد في هبته هو الرّاجع في الموهوب‏,‏ والعائد في عدته‏:‏ التّارك للوفاء بها‏,‏ والعائد فيما نهي عنه‏:‏ فاعل المنهيّ عنه‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ‏}‏ فالمظاهر محرّم للوطء على نفسه‏,‏ ومانع لها منه‏,‏ فالعود فعله‏,‏ أي فعل الوطء الّذي حرّمه على نفسه بظهاره‏.‏

وبأنّ الظّهار يمين مكفّرة‏,‏ فلا تجب الكفّارة بالحنث فيها‏,‏ وهو فعل ما حلف على تركه كسائر الأيمان وإنّما تجب بالوطء‏,‏ لأنّها يمين تقتضي ترك الوطء‏,‏ فلا تجب كفّارتها إلا به كالإيلاء‏.‏

واستدلّ أصحاب القول الثّالث‏:‏ بأنّه لمّا ظاهر فقد قصد التّحريم‏,‏ فإن وصل ذلك بالطّلاق‏,‏ فقد تمّم ما شرع فيه من التّحريم‏,‏ ولا كفّارة عليه‏,‏ فإذا سكت عن الطّلاق‏,‏ فذلك يدل على أنّه ندم على ما ابتدأ به من التّحريم‏,‏ فحينئذٍ تجب عليه الكفّارة‏.‏

واستدلّ أصحاب القول الرّابع‏:‏ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏‏.‏

وهذه الآية تدل على أنّ العود هو إعادة ما فعلوه‏,‏ وهذا لا يكون إلا بالتّكرار‏,‏ لأنّ العود في الشّيء إعادته‏.‏

وقالوا إنّ الّذي يعقل من لغة العرب في العود إلى الشّيء‏,‏ إنّما هو فعل مثله مرّةً ثانيةً‏,‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ‏}‏‏,‏ كما أنّ العود في القول عبارة عن تكراره‏,‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ‏}‏ فكان معنى قوله‏:‏ ‏{‏ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا‏}‏ أي يرجعون إلى القول الأوّل فيكرّرونه‏.‏

وقد اتّفق أهل التّأويل على أنّ عودهم لما نهوا عنه‏,‏ هو إتيانهم مرّةً ثانيةً بمثل ما نهوا عنه‏,‏ وما فعلوه أوّل مرّةٍ‏.‏

شروط الكفّارة

ذكر الفقهاء للكفّارة شروطاً عامّةً وأخرى خاصّةً تتعلّق بكلّ سببٍ من أسبابها‏:‏

أوّلاً‏:‏ الشروط العامّة في الكفّارات‏:‏

يشترط في الكفّارات عموماً شروط‏,‏ منها‏:‏

الشّرط الأوّل‏:‏ النّيّة‏:‏

67 - اتّفق الفقهاء على اشتراط النّيّة في الكفّارة لصحّتها ولهم في ذلك تفصيل‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ من وجبت عليه كفّارتا ظهارٍ فأعتق رقبتين لا ينوي عن إحداهما بعينها جاز عنهما‏,‏ وكذا إذا صام أربعة أشهرٍ أو أطعم مائةً وعشرين مسكيناً جاز‏,‏ لأنّ الجنس متّحد فلا حاجة إلى نيّةٍ معيّنةٍ‏,‏ وإن أعتق عنهما رقبةً واحدةً أو صام شهرين كان له أن يجعل ذلك عن أيّهما شاء‏,‏ وإن أعتق عن ظهارٍ وقتلٍ لم يجز عن واحدٍ منهما‏,‏ لأنّ نيّة التّعيين في الجنس المتّحد غير مفيدٍ فتلغو وفي الجنس المختلف مفيد‏,‏ وقال زفر لا يجزيه عن أحدهما في الفصلين‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو أعتق رقبتين عن كفّارتي ظهارٍ أو قتلٍ أو فطرٍ في رمضان وأشرك بينهما في كلّ واحدةٍ منهما لم يجزه‏.‏

وهو بمنزلة من أعتق رقبةً واحدةً عن كفّارتين‏,‏ وكذلك لو صام عنهما أربعة أشهرٍ حتّى يصوم عن كلّ واحدةٍ منهما شهرين‏,‏ وقد قيل‏:‏ إنّ ذلك يجزيه‏.‏

ولو ظاهر من امرأتين له فأعتق رقبةً عن إحداهما بغير عينها لم يجز له وطء واحدةٍ منهما حتّى يكفّر كفّارةً أخرى‏,‏ ولو عيّن الكفّارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفّر الكفّارة عن الأخرى‏,‏ ولو ظاهر من أربع نسوةٍ فأعتق عنهنّ ثلاث رقابٍ‏,‏ وصام شهرين‏,‏ لم يجزه العتق ولا الصّيام‏,‏ لأنّه إنّما صام عن كلّ واحدةٍ خمسة عشر يوماً‏,‏ فإن كفّر عنهنّ بالإطعام جاز أن يطعم عنهنّ مائتي مسكينٍ‏,‏ وإن لم يقدر فرّق بخلاف العتق والصّيام‏,‏ لأنّ صيام الشّهرين لا يفرّق والإطعام يفرّق‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يشترط لصحّة الكفّارة نيّة الكفّارة بأن ينوي العتق أو الصّوم أو الإطعام عن الكفّارة لأنّها حق مالي يجب تطهيراً كالزّكاة‏,‏ والأعمال بالنّيّات ولا يشترط تعيينها بأن تقيّد بظهار أو غيره‏,‏ كما لا يشترط في زكاة المال تعيين المال المزكّى بجامع أنّ كلاً منهما عبادة ماليّة بل تكفي نيّة أصلها‏,‏ فلو أعتق رقبتين بنيّة الكفّارة وكان عليه كفّارة قتلٍ وظهارٍ أجزأه عنهما‏,‏ وإن أعتق واحدةً وقعت عن إحداهما‏,‏ وإنّما لم يشترط تعيينها في النّيّة كالصّلاة لأنّها في معظم خصالها نازعة إلى الغرامات فاكتفي فيها بأصل النّيّة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يجزئ إطعام وعتق وصوم إلا بنيّة‏,‏ بأن ينويه عن الكفّارة‏,‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّما الأعمال بالنّيّات»‏,‏ ولأنّه حق واجب على سبيل الطهرة فافتقر إلى النّيّة كالزّكاة فإن كانت عليه كفّارة واحدة فنوى عن كفّارتين أجزأه‏,‏ ولم يلزمه تعيين سببها سواء علمه أو جهله‏,‏ لأنّ النّيّة تعيّنت لها‏,‏ ولأنّه نوى عن كفّارته ولا مزاحم لها فوجب تعليق النّيّة بها‏,‏ وإن كان عليه كفّارات من جنسٍ واحدٍ لم يجب تعيين سببها فلو كان مظاهراً من أربعٍ فأعتق عبداً عن ظهاره أجزأه عن إحداهنّ وحلّت له واحدة من نسائه غير معيّنةٍ‏,‏ لأنّه واجب من جنسٍ واحدٍ فأجزأته نيّة مطلقة‏,‏ كما لو كان عليه صوم يومين من رمضان فتخرج بقرعة كما تقدّم في نظائره‏,‏ فإن كان الظّهار من ثلاث نسوةٍ فأعتق عن ظهار إحداهنّ وصام عن ظهار أخرى لعدم من يعتقه ومرض فأطعم ظهار أخرى أجزأه لما تقدّم وحلّ له الجميع من غير قرعةٍ ولا تعيينٍ‏,‏ لأنّ التّكفير حصل عن الثّلاث‏.‏

وإن كانت الكفّارات من أجناسٍ كظهار وقتلٍ وجماعٍ في نهار رمضان ويمينٍ لم يجب تعيين السّبب أيضاً‏,‏ لأنّها عبادة واجبة فلم تفتقر صحّة أدائها إلى تعيين سببها كما لو كانت من جنسٍ‏.‏

وإن كانت عليه كفّارتان من ظهارٍ بأن قال لكلّ من زوجتيه‏:‏ أنت عليّ كظهر أمّي أو كان عليه كفّارتان من ظهارٍ وقتلٍ فقال‏:‏ أعتقت هذا عن هذه الزّوجة أو أعتقت هذا عن هذه الزّوجة الأخرى‏,‏ أو قال‏:‏ أعتقت هذا عن كفّارة الظّهار وهذا عن كفّارة القتل أجزأه‏,‏ أو قال أعتقت هذا عن إحدى الكفّارتين وأعتقت هذا عن الكفّارة الأخرى من غير تعيين أجزأه لما تقدّم‏,‏ أو أعتقهما أي العبدين عن الكفّارتين معاً أو قال أعتقت كلّ واحدٍ منهما أي من المعنيين عنهما أي الكفّارتين جميعاً أجزأه ذلك لما تقدّم‏.‏

الشّرط الثّاني‏:‏ القدرة‏:‏

68 - يشترط قدرة المكفّر على التّكفير‏,‏ لأنّ إيجاب الفعل على غير القادر ممتنع‏.‏

فإذا كانت الكفّارة مرتّبةً فلا يجزئه الانتقال من خصلةٍ إلى ما بعدها حتّى يعجز عن الأولى‏,‏ فمن ملك رقبةً مثلاً لا يجزئه الانتقال عن العتق إلى الصّيام‏,‏ ومن استطاع الصّيام لا يمكنه الانتقال إلى الإطعام وذلك في الجملة‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في الوقت الّذي يعتبر المكفّر فيه قادراً أو عاجزًا عن التّكفير‏,‏ فذهب الحنفيّة والمالكيّة‏,‏ والشّافعيّة في أظهر الأقوال إلى أنّ الوقت المعتبر للقدرة واليسار هو وقت الأداء‏,‏ قالوا‏:‏ لأنّ الكفّارة عبادة لها بدل من غير جنسها فاعتبر حال أدائها‏.‏

وذهب الحنابلة والشّافعيّة في قولٍ إلى أنّ الوقت المعتبر هو وقت الوجوب‏,‏ لأنّ الكفّارة تجب على وجه الطهرة‏,‏ فكان الاعتبار بحالة الوجوب كالحدّ‏.‏

ثانياً‏:‏ شروط الكفّارات الخاصّة

تختلف هذه الشروط باختلاف أسبابها ووجوب الكفّارة‏:‏

شروط وجوب كفّارة اليمين

69 - اتّفق الفقهاء على أنّ البلوغ والعقل والانعقاد شروط لوجوب الكفّارة باليمين فلا كفّارة على صبيٍّ أو مجنونٍ حنث في يمينه‏,‏ لأنّ القلم - أي التّكليف - مرفوع عنهما لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رفع القلم عن ثلاثةٍ‏:‏ عن النّائم حتّى يستيقظ ، وعن المبتلى حتّى يبرأ ، وعن الصّبيّ حتّى يكبر»‏.‏

كما لا كفّارة على من لغا في يمينه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ‏}‏ والمراد بالعقد القصد‏.‏

واختلفوا بعد ذلك في الإسلام‏,‏ والاختيار‏,‏ والعمد‏,‏ هل تعتبر شروطاً لوجوب الكفّارة أم لا ‏؟‏

وتفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏أيمان ف 51 - 54‏)‏‏.‏

شروط وجوب كفّارة الظّهار

70 - اتّفق الفقهاء على أنّ البلوغ والعقل شرطان في وجوب الكفّارة على المظاهر‏,‏ لأنّ عبّارة الصّبيّ والمجنون لغوٌ فلا تكون موجبةً لها‏.‏

واختلفوا في وجوبها على غير المسلم وعلى المكره وغير العامد‏.‏

وتفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏ظهار ف 16‏,‏ 21‏)‏‏.‏

شروط وجوب كفّارة القتل الخطأ

من الشروط المختلف فيها بين الفقهاء ما يلي‏:‏

أ - الإسلام‏:‏

71 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى اشتراط الإسلام في القاتل لإيجاب الكفّارة عليه‏,‏ لأنّها عبادة تحتاج إلى النّيّة‏,‏ والكفّار ليسوا من أهلها‏.‏

وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم اشتراطه في إيجاب الكفّارة على القاتل‏,‏ لأنّ الكافر مخاطب بفروع الشّريعة والكفّارة من فروعها‏.‏

ب - البلوغ والعقل‏:‏

72 - يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة عدم اشتراط البلوغ والعقل في وجوب الكفّارة على القاتل‏,‏ فتجب على الصّبيّ والمجنون عندهم‏.‏

واحتجوا بأنّ الكفّارة حق مالي فتجب في مالهما‏,‏ فيعتق الولي عنهما من مالهما ولا يصوم بحال‏,‏ وإن صام الصّبي المميّز أجزأه‏.‏

ولأنّ الكفّارة من خطاب الوضع أي جعل الشّيء سبباً‏,‏ فالشّارع جعل القتل سبباً لتحرير الرّقبة عند القدرة‏,‏ والصّوم شهرين متتابعين عند العجز ولم يجعل ذلك على الفور‏,‏ فالصّبي أهل للصّوم باعتبار المستقبل‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ كفّارة اليمين لم تجب على الصّبيّ والمجنون لأنّ سببها قول والقول غير معتبرٍ منهما‏,‏ بخلاف كفّارة القتل فإنّ سببها فعل وهو معتبر من الجميع‏.‏

ويرى الحنفيّة أنّ البلوغ والعقل شرطان لوجوب الكفّارة في القتل‏,‏ فلا كفّارة على القاتل الصّبيّ أو المجنون لرفع القلم عنهما ، ولأنّ القتل معدوم منهما حقيقةً‏.‏

ج - الاختيار‏:‏

73 - اختلف الفقهاء في وجوب هذا الشّرط على قولين‏:‏

الأوّل‏:‏ ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط في وجوب الكفّارة على القاتل أن يكون مختاراً‏,‏ وأنّها لا تجب على القاتل المكره لأنّه مسلوب الإرادة‏,‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه»‏,‏ فهذا الحديث يدل على نفي الإثم عن المكره والمخطئ‏,‏ ونفي الإثم يوجب نفي الكفّارة‏,‏ لأنّها شرعت لمحوه‏.‏

الثّاني‏:‏ ذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يشترط في وجوب الكفّارة الاختيار فتجب الكفّارة عندهم على المكره لأنّه باشر القتل‏,‏ ولأنّ الكفّارة عبادة وهو من أهلها‏.‏

د - الحرّيّة في القاتل‏:‏

74 - اختلف الفقهاء في اشتراط الحرّيّة على قولين‏:‏

الأوّل‏:‏ يرى الحنفيّة والمالكيّة اشتراط حرّيّة القاتل لوجوب الكفّارة عليه لأنّ العبد عندهم ليس من أهل الكفّارة‏,‏ لأنّه وما ملك ملك لسيّده‏,‏ والصّوم شهرين متتابعين يضعفه فيضر بسيّده‏.‏

الثّاني‏:‏ يرى الشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يشترط حرّيّة القاتل لوجوب الكفّارة عليه فتجب عندهم على العبد كما تجب على غيره‏,‏ لقوله تعالى ‏{‏وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ الآية‏,‏ فالآية عامّة لم تفرّق بين الأحرار والعبيد لأنّ ‏"‏ من ‏"‏ من صيغ العموم ولا تخصّص إلا بدليل‏.‏

شروط وجوب كفّارة الجماع في نهار رمضان

75 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإسلام والبلوغ والعقل شروط لوجوب الكفّارة بسبب انتهاك حرمة الصّوم بالجماع في نهار رمضان‏,‏ لأنّ الكافر لا يعتبر صومه شرعاً والمجنون كذلك‏,‏ أمّا الصّبي فهو وإن كان يصح صومه لكنّه لا يعقل حرمة هذا الشّهر‏.‏

كما اتّفقوا على أنّ رمضان شرط في وجوب الكفّارة فلا تجب في غيره كقضائه أو صوم النّذر ونحوه‏,‏ لأنّ الكفّارة إنّما وجبت لهتك حرمة الشّهر‏,‏ وليست هذه الحرمة موجودةً في غيره‏.‏

76 - واختلفوا في اشتراط العمد والاختيار‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ العمد والاختيار شرطان في وجوبها‏,‏ فلم يوجبوا الكفّارة بالجماع الحادث على وجه الإكراه أو الخطأ‏.‏

وذهب الحنابلة‏:‏ إلى عدم اشتراط العمد والاختيار لوجوب الكفّارة بالجماع في نهار رمضان‏,‏ فتجب عندهم على من جامع ناسياً أو مكرهاً لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يستفصل السّائل عن حاله ولو كان الحكم يختلف لاستفصله‏.‏

وقد سبق القول في ذلك عند ذكر أسباب الكفّارة بالفطر في رمضان‏:‏ ‏(‏ف 25 - 27‏)‏‏.‏

ما يشترط لإجزاء الكفّارات‏:‏

وهي الشروط الّتي يجب توافرها في أفراد الكفّارات حتّى تكون مجزئةً‏.‏

الشروط الخاصّة بالإطعام في الكفّارات

أوّلاً‏:‏ من حيث الكيفيّة

77 - التّمليك‏:‏ اختلف الفقهاء في اشتراط التّمليك في الإطعام إلى فريقين‏:‏

الفريق الأوّل‏:‏ وهم المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يشترطون أن يكون الإطعام على وجه التّمليك‏,‏ ككلّ الواجبات الماليّة فإذا قدّم المكفّر الطّعام إلى الفقراء والمساكين على وجه الإباحة لم يجزئه‏.‏

واستدلوا بأنّ التّكفير واجب مالي فلا بدّ أن يكون معلوم القدر ليتمكّن الفقير من أخذه‏,‏ والقول بالإباحة والتّمكين لا يفيد ذلك‏,‏ حيث إنّ الفقير قد يأخذ حقّه كاملاً وقد لا يأخذه لا سيّما وأنّ كلّ مسكينٍ يختلف عن الآخر صغراً وكبراً‏,‏ جوعاً وشبعاً‏.‏

وأنّ الطّعام على سبيل الإباحة يهلك على ملك المكفّر ولا كفّارة بما هلك في ملكه‏.‏

الفريق الثّاني‏:‏ وهم الحنفيّة‏:‏ لا يشترطون تمليك الطّعام في الكفّارات‏,‏ بل الشّرط هو التّمكين‏,‏ فيكفي عندهم دعوة المساكين إلى قوت يومٍ - غداءً وعشاءً - فإذا حضروا وتغدّوا وتعشّوا كان ذلك مجزئاً‏.‏

واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏}‏ والإطعام في اللغة‏:‏ اسم للتّمكين من الطّعام لا أن يمتلكه‏,‏ والمسكنة‏:‏ الحاجة‏,‏ فهو محتاج إلى أكل الطّعام دون تملكه‏.‏ وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ‏}‏‏,‏ والإطعام للأهل يكون على سبيل الإباحة لا على سبيل التّملك‏.‏

ثانياً‏:‏ من حيث المقدار

78 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يشترط أن يعطى كلّ مسكينٍ مداً واحداً من غالب قوت البلد‏,‏ ولا يجوز إخراج قيمة الطّعام عملاً بنصّ الآية‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏}‏‏.‏

ويشترط أن لا ينقص الحصص‏,‏ فلا يجوز أن يعطى عشرين مسكيناً عشرة أمدادٍ لكلّ واحدٍ منهم نصف مدٍّ إلا أن يكمل لعشرةٍ منهم ما نقص‏.‏

كما يشترط أن يكون الإطعام للعشرة فلا يصح التّلفيق‏,‏ فلو أطعم خمسةً وكسا خمسةً لا يجزئ‏.‏

ويشترط أيضاً أن يعطي المدّ لكلّ واحدٍ من العشرة على وجه التّمليك‏,‏ ولا يجزئ عند المالكيّة تكرر الإعطاء لواحدٍ‏,‏ فلو أطعم واحداً عشرة أمدادٍ في عشرة أيّامٍ لا يجزئه‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه يشترط أن يعطى لكلّ مسكينٍ مدّان أي نصف صاعٍ من القمح أو صاع من تمرٍ أو شعيرٍ أو قيمة ذلك من النقود أو من عروض التّجارة‏,‏ لأنّ المقصود دفع الحاجة‏,‏ وذلك يمكن تحققه بالقيمة‏.‏

أمّا مقدار طعام الإباحة عندهم‏:‏ فأكلتان مشبعتان‏,‏ أي يشترط أن يغدّي كلّ مسكينٍ ويعشّيه‏,‏ وكذلك إذا عشّاهم وسحّرهم‏,‏ أو غدّاهم غداءين ونحو ذلك‏,‏ لأنّهما أكلتان مقصودتان‏.‏

أمّا إذا غدّى واحداً‏,‏ وعشّى واحداً آخر لم يصحّ‏,‏ لأنّه يكون قد فرّق طعام العشرة على عشرين‏,‏ وهو لا يصح‏.‏

كذلك يشترطون أن لا يعطي الكفّارة كلّها لمسكينٍ واحدٍ في يومٍ واحدٍ دفعةً واحدةً أو متفرّقةً على عشر مرّاتٍ‏.‏

أمّا لو أطعم مسكيناً واحداً عشرة أيّامٍ غداءً وعشاءً‏,‏ أو أعطى مسكيناً واحداً عشرة أيّامٍ كلّ يومٍ نصف صاعٍ جاز لأنّ تجدد الحاجة كلّ يومٍ يجعله كمسكينٍ آخر فكأنّه صرف القيمة لعشرة مساكين‏.‏

ثالثاً‏:‏ من حيث الجنس

79 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ المجزئ في الإطعام هو البر‏,‏ أو الشّعير‏,‏ أو التّمر‏,‏ دقيق كلّ واحدٍ كأصله كيلاً أي نصف صاعٍ في دقيق البرّ وصاع في دقيق الشّعير‏,‏ وقيل‏:‏ المعتبر في الدّقيق القيمة‏,‏ لا الكيل‏,‏ ويجوز إخراج القيمة من غير هذه الأصناف‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الإطعام يكون من القمح إن اقتاتوه‏,‏ فلا يجزئ غيره من شعيرٍ أو ذرةٍ أو غيرهما‏,‏ فإن اقتاتوا غير القمح فما يعدله شبعاً لا كيلاً‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ الإطعام يكون من الحبوب والثّمار الّتي تجب فيها الزّكاة‏,‏ لأنّ الأبدان تقوم بها‏,‏ ويشترط أن يكون من غالب قوت البلد‏.‏

وذهب الحنابلة إلى اشتراط أن يكون الإطعام من البرّ والشّعير ودقيقهما والتّمر والزّبيب ولا يجزئ غير ذلك ولو كان قوت بلده إلا إذا عدمت تلك الأقوات‏.‏

ولا يجوز إخراج القيمة عند الجمهور غير الحنفيّة عملاً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏}‏‏.‏

وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً‏}‏‏.‏

رابعاً‏:‏ المستحق للإطعام

80 - اشترط الفقهاء في المحلّ المنصرف إليه الطّعام شروطاً منها‏:‏

أ - أن لا يكون من تصرف إليه الكفّارة ممّن يلزم المكفّر نفقته‏,‏ كالأصول والفروع‏,‏ لأنّ القصد إشعار المكفّر بألمٍ حين يخرج جزءاً من ماله كفّارةً عن الذّنب الّذي ارتكبه‏,‏ وهذا المعنى لا يتحقّق إذا أطعم من تلزمه نفقته‏.‏

ب - أن يكونوا مسلمين‏,‏ فلا يجوز عند الجمهور إطعام الكافر من الكفّارات ذمّياً كان أو حربياً‏,‏ وأجاز أبو حنيفة ومحمّد إعطاء فقراء أهل الذّمّة من الكفّارات‏,‏ لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏}‏‏,‏ من غير تفرقةٍ بين المؤمن وغيره‏.‏

ج - أن لا يكون هاشمياً‏,‏ لأنّ اللّه تعالى جعل لهم ما يكفيهم من خمس الغنائم‏.‏

ما يشترط في التّكفير بالكسوة

81 - اشترط الفقهاء للتّكفير بالكسوة شروطاً مجملها - على اختلافهم في بعضها - ما يلي‏:‏

أ - أن تكون الكسوة على سبيل التّمليك‏.‏

ب - أن تكون الكسوة بحيث يمكن الانتفاع بها‏,‏ فلو كان الثّوب قديماً أو جديداً رقيقاً لا ينتفع به فإنّه لا يجزئ‏.‏

ج - أن تكون ممّا يسمّى كسوةً‏,‏ فتجزئ الملاءة والجبّة والقميص ونحو ذلك‏,‏ ولا تجزئ العمامة ولا السّراويل على الصّحيح عند الحنفيّة‏,‏ وكذلك المالكيّة والحنابلة‏,‏ لأنّ لابسها لا يسمّى مكتسياً عرفاً بل يسمّى عرياناً خلافاً للشّافعيّة الّذين أجازوا الكسوة بالعمامة والسّراويل‏,‏ لأنّه يقع عليها اسم الكسوة‏.‏

د - أن يعطى للمرأة ثوباً ساتراً وخماراً يجزئها أن تصلّي فيه‏.‏

ما يشترط في التّكفير بالصّوم

82 - اشترط الفقهاء لجواز الصّيام في الكفّارات ما يلي‏:‏

أ - النّيّة‏:‏ فلا يجوز صوم الكفّارة من غير نيّةٍ من اللّيل لأنّه صوم واجب‏.‏

ب - التّتابع في صوم كفّارة الظّهار والقتل وجماع نهار رمضان فإن قطع التّتابع ولو في اليوم الأخير وجب الاستئناف‏.‏

واختلف الفقهاء فيما ينقطع به التّتابع‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏تتابع ف 3‏,‏ 9 - 17‏)‏‏.‏

ما يشترط في التّكفير بالإعتاق

83 - اشترط الفقهاء في الرّقبة المجزئة في الكفّارة ما يلي‏:‏

أ - أن تكون مملوكةً ملكاً كاملاً للمعتق‏,‏ فلا يجوز إعتاق عبدٍ مملوكٍ للغير‏,‏ كما لا يجوز للمكفّر أن يعتق نصف عبدٍ مشتركٍ بينه وبين غيره‏.‏

ب - أن تكون الرّقبة كاملة الرّقّ‏,‏ فلا يجوز إعتاق المدبّر‏,‏ لأنّه سيصبح حراً بعد وفاة سيّده‏,‏ وكذلك أم الولد‏.‏

أمّا المكاتب فيجوز التّكفير به عند الحنفيّة‏.‏

ج - أن تكون الرّقبة سليمةً من العيوب المخلّة بالعمل والكسب‏,‏ فلا يجوز إعتاق مقطوع اليدين أو الرّجلين أو أشلّهما إلى غير ذلك‏.‏

د - أن تكون الرّقبة مؤمنةً‏,‏ خلافاً للحنفيّة حيث يرون جواز إعتاق الرّقبة الكافرة في غير كفّارة القتل‏.‏

خصال الكفّارة

84 - خصال الكفّارة في الجملة هي‏:‏ العتق والصّيام والإطعام والكسوة‏.‏

وذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ كلاً من كفّارة الصّوم والظّهار والقتل مرتّبة ابتداءً وانتهاءً فعلى المكفّر أن يعتق رقبةً إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً‏,‏ فإن لم يجد بأن لم يتيسّر له ذلك حساً كأن يكون في مسافة القصر‏,‏ أو شرعاً كأن لم يقدر على ثمنها زائداً على ما يفي بمؤنه فعليه صيام شهرين متتابعين‏,‏ فإن عجز المظاهر أو المجامع في نهار رمضان عن الصّوم لهرمٍ أو مرضٍ أو خاف من الصّوم زيادة مرضٍ فعليه إطعام ستّين مسكيناً‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ كفّارة إفساد الصّوم على التّخيير وأنّ أفضل خصالها الإطعام لكثرة تعدّي نفعه‏.‏

وأمّا كفّارتا الظّهار والقتل فهما مرتّبتان‏.‏

فإن عجز عن الجميع استقرّت في ذمّته عند جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والأظهر عند الشّافعيّة وإحدى الرّوايتين لأحمد‏,‏ وهذا بالنّسبة لكفّارة الصّوم عند الشّافعيّة بخلاف سائر الكفّارات فتستقر عندهم‏.‏

وفي إحدى الرّوايتين لأحمد‏,‏ ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ أنّ الكفّارة تسقط عنه بالعجز عن الأمور الثّلاثة كزكاة الفطر بدليل أنّ الأعرابيّ لم يأمره النّبي صلى الله عليه وسلم بكفّارةٍ أخرى لمّا دفع إليه التّمر‏.‏

أمّا كفّارة القتل فليس فيها إطعام بل هي عتق رقبةٍ‏,‏ فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين للآية الكريمة‏.‏

وقال الفقهاء‏:‏ إنّ كفّارة اليمين على التّخيير ابتداءً ومرتّبة انتهاءً فيختار في أوّلها بين إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ‏,‏ فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيّامٍ‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ‏}‏‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه لا يجزئ في العتق إلا تحرير رقبةٍ مؤمنةٍ سالمةٍ من العيوب المضرّة بالعمل وذلك في جميع الكفّارات‏,‏ لقوله تعالى في كفّارة القتل‏:‏ ‏{‏وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏}‏ وما عدا كفّارة القتل فبالقياس عليها‏,‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم فيمن أراد أن يعتق أمةً‏:‏ «أعتقها فإنّها مؤمنة»‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجزئ تحرير رقبةٍ وإن كانت غير مؤمنةٍ إلا في كفّارة القتل لإطلاق النصوص في غير القتل‏,‏ ولامتناع جواز قياس المنصوص بعضه على بعضٍ‏,‏ ولأنّ في ذلك إيجاب زيادةٍ في النّصّ وهو يوجب النّسخ عندهم‏,‏ وإلى هذا ذهب الثّوري والحسن بن صالحٍ‏.‏

كَفَن

انظر‏:‏ تكفين‏.‏

كَفِيل

انظر‏:‏ كفالة‏.‏

كَلأ

التّعريف

1 - يطلق الكلأ في اللغة على معانٍ منها‏:‏ العشب رطباً كان أم يابساً‏,‏ والجمع أكلاء مثل سببٍ وأسبابٍ‏,‏ يقال‏:‏ مكان مكلئ‏:‏ فيه كلأ‏.‏

وفي الاصطلاح قال الكاساني‏:‏ الكلأ حشيش ينبت من غير صنع العبد‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ هو ما ينبسط وينتشر ولا ساق له كالإذخر ونحوه‏,‏ وقال الدّردير‏:‏ الكلأ‏:‏ العشب‏.‏

حكم الانتفاع بالكلأ‏:‏

2 - ذهب الفقهاء إلى أنّ ما نبت من الكلأ في الأماكن المباحة كالأودية‏,‏ والجبال والأراضي الّتي لا مالك لها مشترك بين النّاس‏,‏ ولا يمنع أحد من أخذ كلئها ولا رعي ماشيته فيها‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «المسلمون شركاء في ثلاثٍ الماء والنّار والكلأ»‏.‏

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنّار»‏.‏

والحديثان دليل على أنّ النّاس شركاء في هذه الثّلاث‏,‏ وهو إجماع في الكلأ النّابت في أرضٍ مباحةٍ لا مالك لها‏,‏ وفي الجبال والأودية‏,‏ وعلى أنّه ليس لأحدٍ من عامّة النّاس أن يحميه لنفسه‏,‏ ويمنع غيره من أخذه أو رعي ماشيته‏,‏ أمّا النّابت في أرضٍ مملوكةٍ أو محجّرةٍ ففي جواز حماه خلاف بين الفقهاء‏:‏ قال ابن عابدين‏:‏ ما نبت - أي من الكلأ - في أرضٍ مملوكةٍ بلا إنبات صاحبها حكمه كما سبق‏,‏ أي لا يمنع أحد من الأخذ منه ولا رعي ماشيته فيه‏,‏ إلا أنّ لربّ الأرض المنع من الدخول في أرضه‏,‏ قال الكاساني‏:‏ لو أراد أحد أن يدخل ملك غيره لاحتشاش الكلأ فإذا كان يجده في موضعٍ آخر فلصاحب الأرض أن يمنعه من الدخول وإن كان لا يجده في موضعٍ آخر يقال لصاحب الأرض‏:‏ إمّا أن تأذن له بالدخول وإمّا أن تحشّ بنفسك فتدفعه إليه‏.‏

وقال ابن عابدين‏:‏ إذا احتشّ مالك آخر الكلأ الّذي نبت في أرضه دون إنباتٍ كان أنبته في أرضه فهو ملك له‏,‏ وليس لأحدٍ أخذه بوجهٍ لحصوله بكسبه‏.‏

وفي كتاب الخراج لأبي يوسف‏:‏ ولو أنّ أهل قريةٍ لهم مروج يرعون فيها‏,‏ ويحتطبون منها‏,‏ وقد عرف أنّها لهم فهي لهم على حالها‏,‏ يتبايعونها‏,‏ ويتوارثونها‏,‏ ويحدثون فيها ما يحدث الرّجل في ملكه‏,‏ وليس لهم أن يمنعوا الكلأ ولا الماء‏,‏ ولأصحاب المواشي أن يرعوا في تلك المروج ويستقوا من تلك المياه‏,‏ وليست الآجام كالمروج‏,‏ فليس لأحدٍ أن يحتطب من أجمة أحدٍ إلا بإذنه‏,‏ ولو أنّ صاحب بقرٍ رعى بقره في أجمة غيره لم يكن له ذلك‏,‏ وضمن ما رعى وأفسد‏.‏

والكلأ لا يباع ولا يدفع معاملةً‏.‏ ثمّ قال‏:‏ ولو لم يكن لأهل هذه القرية الّذين تكون لهم هذه المروج‏,‏ وفي ملكهم موضع مسرحٍ ومرعىً لدوابّهم ومواشيهم غير هذه المروج‏,‏ وكانوا متى أذنوا للنّاس في رعي هذه المروج أضرّ ذلك بهم وبمواشيهم ودوابّهم كان لهم أن يمنعوا كلّ من أراد أن يرعى أو يحتطب منها‏,‏ وإن كان لهم مرعىً وموضع احتطابٍ حولهم ليس له مالك فإنّه لا ينبغي لهم ولا يحل لهم أن يمنعوا الاحتطاب والرّعي من النّاس‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لا يمنع مالك أرضٍ تركها استغناءً عنها ولم يبوّرها للرّعي من رعي كلأٍ لم يزرعه فيها‏,‏ ولا يمنع رعي كلأٍ نبت في أرضٍ له لا تقبل الزّرع‏,‏ وليس له منع من يريد رعي ماشيته من هذين الموضعين‏,‏ ومحل عدم منعهما‏,‏ حيث لم يكتنفه زرع له يخشى أن تفسده المواشي‏,‏ فإن اكتنفه فله منعه‏,‏ وله منع كلأ مرج دوابّه من أرضٍ يملكها‏.‏

وحماه الّذي بوّره من أرضه للمرعى‏,‏ له منع غيره من رعي كلأ هذين الموضعين وبيعه‏,‏ هذا وما قبله في الأرض المملوكة له‏,‏ أمّا غيرها كالفيافي‏,‏ فقال ابن رشدٍ‏:‏ النّاس فيه سواء اتّفاقاً‏.‏

وإن سبق شخص إلى موضعٍ فيه كلأ وقصده من بعدٍ‏,‏ فتركه ورعى ما حوله فهل له أن يمنع غيره من الرّعي فيه ‏؟‏

قال المالكيّة فيه ثلاثة أقوالٍ‏:‏

ليس له أن يمنع‏,‏ قاله ابن القاسم في روايته عن مالكٍ في المدوّنة‏.‏

وفي قولٍ‏:‏ يكون أحقّ به بقدر حاجته‏.‏

وفي قولٍ‏:‏ إن حفر بئراً في الموضع فهو أحق به‏.‏

قال الزرقاني‏:‏ وهو أعدل الأقوال وأولاها بالصّواب‏:‏ لأنّه لا يقدر على المقام على الماء إذا لم يكن له في ذلك مرعىً فتذهب نفقته في البئر باطلاً‏.‏

ما يحمى من مواضع الكلأ

3 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو الأظهر عند الشّافعيّة إلى أنّ للإمام أن يحمي بقعة مواتٍ لرعي نعم جزيةٍ وصدقةٍ وضالّةٍ وضعيفٍ عن النجعة بأن يمنع النّاس من رعي ما حماه بحيث لا يضرهم‏,‏ أن يكون قليلاً من كثيرٍ تكفي بقيّته النّاس‏,‏ لأنّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «حما النّقيع لخيل المسلمين»‏.‏

ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة‏:‏ المنع لخبر‏:‏ «لا حمى إلا للّه ورسوله»‏.‏

وفي شروط الجواز وغير ذلك من مسائل الحمى تفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏حمىً ف 6 وما بعدها‏)‏‏.‏

رعي نبات الحرم

4 - يجوز عند جمهور الفقهاء رعي حشيش الحرم وكلئه لأنّ الهدايا كانت تساق في عصره صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم‏,‏ وما كانت تسد أفواهها في الحرم‏.‏ وللتّفصيل‏:‏ ‏(‏ر‏:‏ حرم ف 10 - 12‏)‏‏.‏

كلالة

التّعريف

1 - الكلالة في اللغة‏:‏ مصدر بمعنى الكلال‏:‏ وهو التّعب وذهاب القوّة من الإعياء‏,‏ أو هو مشتق من الإكليل‏:‏ بمعنى الإحاطة‏:‏ من تكلّله أحاط به‏.‏

أمّا في الاصطلاح‏:‏ فقد اختلف أهل العلم في المراد من الكلالة فقيل‏:‏ الكلالة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين‏,‏ وقالت طائفة‏:‏ الكلالة اسم للميّت الّذي لا والد له ولا ولد‏,‏ فالأب والابن طرفان للميّت فإذا ذهبا تكلّله النّسب أي أطافوا بالميّت من جوانبه‏,‏ وروي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال‏:‏ «من مات وليس له ولد و لا والد»‏.‏

قال الرّاغب فجعله اسماً للميّت‏,‏ وكلا القولين صحيح‏.‏

2 - وقد ذكر اللّه سبحانه وتعالى الكلالة في موضعين في سورة النّساء‏:‏

أحدهما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ‏}‏ إلخ الآية‏.‏

والموضع الثّاني قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

ميراث الكلالة

3 - الّذين يرثون كلالةً أصناف من الورثة يجمعهم أنّهم من عدا والد الميّت وولده‏,‏ وهؤُلاء منهم‏:‏ الإخوة الأشقّاء أو لأبٍ أو لأمٍّ وغيرهم من الورثة‏.‏

وينظر تفصيل ما يستحقه كل منهم من التّركة في مصطلح‏:‏ ‏(‏إرث ف 42 - 45 وما بعدها‏)‏‏.‏

كَلام

التّعريف

1 - الكلام اسم من كلّمته تكليماً‏,‏ والكلام في أصل اللغة‏:‏ عبارة عن أصواتٍ متتابعةٍ لمعنىً مفهومٍ‏.‏

وفي اصطلاح النّحويّين‏:‏ هو اسم لما تركّب من مسندٍ ومسندٍ إليه‏.‏

قال الفيومي‏:‏ والكلام في الحقيقة هو المعنى القائم بالنّفس لأنّه يقال في نفسي كلام‏,‏ وقال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ‏}‏‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّفظ‏:‏

2 - اللّفظ في اللغة له معانٍ‏,‏ يقال‏:‏ لفظ ريقه وغيّره لفظاً‏:‏ رمى به‏,‏ ولفظ بقولٍ حسنٍ‏:‏ تكلّم به‏,‏ وتلفّظ به كذلك‏,‏ واستعملالمصدر اسماً وجمع على ألفاظٍ‏.‏

واللّفظ في اصطلاح الفقهاء‏:‏ ما ينطق به الإنسان أو من في حكمه مهملاً كان أو مستعملاً‏.‏ والصّلة بين اللّفظ والكلام‏:‏ أنّ اللّفظ أعم من الكلام‏.‏

ب - الإشارة‏:‏

3 - الإشارة في اللغة‏:‏ التّلويح بشيءٍ يفهم منه ما يفهم من النطق‏,‏ كالإيماء بالرّأس‏,‏ والكفّ والعين‏,‏ ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والصّلة بين الإشارة والكلام أنّهما وسيلة لإفادة المعنى‏.‏

ج - السكوت‏:‏

4 - السكوت في اللغة الصّمت وانقطاع الكلام‏,‏ والسكوت خلاف النطق وهما مصدران‏,‏ قال الرّاغب الأصفهاني‏:‏ السكوت مختص بترك الكلام‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ‏.‏

والعلاقة بين السكوت والكلام التّضاد‏.‏

د - الخطاب‏:‏

5 - الخطاب في اللغة الكلام بين متكلّمٍ وسامعٍ‏,‏ وفي اصطلاح الفقهاء هو‏:‏ الكلام المقصود منه إفهام من هو متهيّئ للفهم‏.‏

والخطاب أخص من الكلام‏.‏

الحكم التّكليفي

6 - كلام العاقل البالغ مباح في الأصل للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة‏:‏ ‏"‏ الأصل في الأشياء الإباحة ‏"‏ إلا أنّه بالنّظر لما قد يحيط به من قرائن الأحوال تعتريه الأحكام فيكون واجباً‏,‏ أو مندوباً‏,‏ أو مكروهاً‏,‏ أو حراماً‏,‏ إلى جانب حكمه الأصليّ وهو الإباحة وذلك كما يلي‏:‏

فمن الكلام الواجب‏:‏ النطق بالشّهادتين للدخول في الإسلام لغير المسلم‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إسلام ف 17‏)‏‏.‏

ومن الكلام الواجب تكبيرة الإحرام‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏تكبيرة الإحرام ف 2‏)‏‏.‏

ومن الكلام المندوب التّسبيح والذّكر في بعض أفعال الصّلاة‏,‏ كالافتتاح والركوع‏,‏ والسجود‏,‏ والتّلبية بعد الإحرام‏,‏ وغير ذلك‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏تسبيح ف 12 وما بعدها‏)‏‏.‏

ومن الكلام المكروه‏:‏ الكلام أثناء خطبة الجمعة عند بعض الفقهاء‏,‏ وهو حرام عند البعض الآخر‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة الجمعة ف 27‏)‏‏.‏

ومن الكلام المحرّم‏:‏ القذف والتّلفظ بالكفر والسّبّ‏.‏

وأمّا كلام المجنون والصّغير غير المميّز فهو لغو ولا حكم له لانعدام التّكليف في حقّهما لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ «رفع القلم عن ثلاثةٍ الصّغير حتّى يكبر وعن المجنون حتّى يعقل وعن النّائم حتّى يستيقظ»‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏أهليّة ف 14 - 27‏)‏‏.‏

اشتراط الكلام في بعض العبادات والمعاملات

7 - الكلام قد يكون ركناً في بعض العبادات والمعاملات ونحوها كقراءة القرآن في الصّلاة‏,‏ وتكبيرة الإحرام‏,‏ والإيجاب والقبول في عقد الزّواج وسائر العقود الأخرى فإنّ الكلام فيها ركن ما دام ممكناً‏,‏ ولا تصح بدونه ولا تنعقد‏,‏ فإذا تعذّر الكلام كالأخرس والغائب قامت الكتابة والإشارة مقامه بشروطٍ مخصوصةٍ‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عقد ف 6 وما بعدها‏)‏‏.‏

أنواع الكلام وطرق دلالته على معناه

8 - للكلام أنواع لدى العلماء تختلف باختلاف علمهم‏,‏ فعلماء النّحو يقسّمونه إلى اسمٍ وفعلٍ وحرفٍ‏.‏

وعلماء أصول الفقه يقسّمون الكلام إلى خبرٍ وإنشاءٍ‏,‏ ثمّ يقسّمون كلاً منهما إلى أقسامٍ مختلفةٍ‏,‏ كالأمر والنّهي‏,‏ والمطلق والمقيّد‏,‏ كما يقسّمون الكلام من حيث دلالته على معناه إلى حقيقةٍ ومجازٍ وكنايةٍ‏,‏ ومنهم من يدخل الكناية في الحقيقة أو في المجاز ولا يجعلها قسيماً لها‏,‏ ثمّ إنّهم يقسّمون الكلام إلى عبارةٍ وإشارةٍ ودلالةٍ‏,‏ واقتضاءٍ‏,‏ وإلى مجملٍ ومفصّلٍ‏,‏ وإلى مشكلٍ ومشتركٍ‏,‏ وإلى منطوقٍ ومفهومٍ‏.‏

وتفصيل ذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

هل يعد السكوت كلاماً ‏؟‏

9 - الأصل أنّ السكوت لا يعد كلاماً‏,‏ ولا يبنى عليه حكم شرعي ممّا يبنى على القول للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة‏:‏ ‏"‏ لا ينسب إلى ساكتٍ قول ‏"‏‏.‏

إلا أنّه يستثنى من ذلك أحوال ينزل السّاكت فيها منزلة المتكلّم‏,‏ ويبنى على سكوته أحكام القائل المتكلّم للقاعدة الفقهيّة الكلّيّة ‏"‏ السكوت في معرض الحاجة بيان ‏"‏‏.‏

فإذا استأذن الأب ابنته البكر العاقلة البالغة في أمر زواجها من شخصٍ معيّنٍ فسكتت‏,‏ عدّ ذلك دليلاً على رضاها بالزّواج‏,‏ لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وإذنها صماتها» وذلك ما لم يرافق السكوت من القرائن ما يدل على الرّفض كالبكاء والإعراض‏,‏ وإلا لم يعدّ رضاً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏سكوت ف 11‏)‏‏.‏

ما يقوم مقام الكلام

10 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الإشارة المفهمة والكتابة تقوم مقام العبارة والكلام‏.‏

فقال الحنفيّة‏:‏ الإشارة معتبرة وقائمة مقام العبارة في كلّ شيءٍ‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ ينعقد البيع بالكلام وبغيره من كلّ ما يدل على الرّضا‏.‏

وقال الخطيب‏:‏ إشارة الأخرس وكتابته العقد كالنطق للضّرورة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ الإشارة كالكلام وتقوم مقام اللّفظ والكلام‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إشارة ف 4‏,‏ وعقد ف 15‏)‏‏.‏

الكلام حال قضاء الحاجة وفي الخلاء

11 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة الكلام أثناء قضاء الحاجة وفي الخلاء ولا يتكلّم إلا لضرورةٍ بأن رأى ضريراً يقع في بئرٍ‏,‏ أو حيّةً أو غيرها تقصد إنساناً أو غيره من المحترمات فلا كراهة في الكلام في هذه المواضع‏.‏ وقال ابن سيرين والنّخعي‏:‏ لا بأس بذكر اللّه‏,‏ لأنّ اللّه تعالى ذكره محمود على كلّ حالٍ‏.‏

الكلام أثناء الوضوء

12 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ التّكلم بكلام النّاس بغير حاجةٍ أثناء الوضوء خلاف الأولى‏,‏ وإن دعت إلى الكلام حاجة يخاف فوتها بتركه لم يكن فيه ترك الأدب‏.‏

وذهب المالكيّة إلى كراهة الكلام حال الوضوء بغير ذكر اللّه تعالى‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وضوء‏)‏‏.‏

الكلام أثناء الأذان

13 - صرّح جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ الفصل بين كلمات الأذان بأيّ شيءٍ كسكوتٍ أو كلامٍ أو غيره إن كان يسيراً فلا يبطل الأذان ويبني على ما مضى‏.‏

ويرى جمهور الفقهاء كراهة الكلام اليسير إن كان لغير سببٍ أو ضرورةٍ‏,‏ وقالوا‏:‏ يكره الكلام أثناء الأذان حتّى ولو بردّ السّلام ويكره السّلام على المؤذّن‏,‏ ويرد السّلام بعد فراغه من الأذان‏,‏ ويبطله الكلام الطّويل لأنّه يقطع الموالاة المشروطة في الأذان عند الجمهور غير الحنفيّة‏,‏ وأجاز الحنابلة ردّ السّلام في أثناء الأذان‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏أذان ف 23‏)‏‏.‏

الكلام بين الإقامة والصّلاة

14 - لا خلاف بين الفقهاء في كراهة الكلام في الإقامة لغير ضرورةٍ إذا كان كثيراً‏,‏ أمّا إذا كان الكلام في الإقامة لضرورةٍ مثل ما لو رأى أعمى يخاف وقوعه في بئرٍ أو رأى من قصدته حيّة وجب إنذاره ويبني على إقامته‏.‏

أمّا الكلام القليل لغير ضرورةٍ فقد اختلف فيه‏:‏

فذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه لا يكره الكلام بل يؤدّي إلى ترك الأفضل‏.‏

وذهب المالكيّة والحنابلة ووافقهم الزهري إلى أنّه يكره الكلام أثناء الإقامة وبين الإقامة والصّلاة‏,‏ ويبني على إقامته‏,‏ لأنّ الإقامة حدر وهذا يخالف الوارد ويقطع بين كلماتها‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏إقامة ف 16‏)‏‏.‏

الكلام بعد النّيّة وقبل تكبيرة الإحرام

15 - اختلف الفقهاء في الكلام بعد النّيّة وقبل تكبيرة الإحرام‏:‏

فقال الحنفيّة‏:‏ ينوي الصّلاة الّتي يدخل فيها بنيّةٍ لا يفصل بينها وبين التّحريمة بعملٍ‏.‏

وقال بعض الحنفيّة‏:‏ إذا قال المؤذّن قد قامت الصّلاة وجب على الإمام التّكبير ممّا يدل على كراهة الكلام بعد النّيّة وقبل تكبيرة الإحرام‏,‏ هذا إذا كان لغير ضرورةٍ‏,‏ وأمّا إذا كان لأمرٍ من أمور الدّين فلا يكره‏.‏

ويرى المالكيّة‏:‏ كراهة الكلام حين الإقامة وحرمته بعد إحرام الإمام‏,‏ ولا يختص ذلك بالجمعة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ الكلام بعد النّيّة وقبل تكبيرة الإحرام لا يجوز ويبطل الصّلاة‏,‏ ولو قال‏:‏ نويت أصلّي الظهر اللّه أكبر نويت‏,‏ بطلت صلاته لأنّ قوله ‏"‏ نويت ‏"‏ بعد التّكبير كلام أجنبي عن الصّلاة وقد طرأ بعد انعقاد الصّلاة فأبطلها‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ ولو تكلّم بعد النّيّة وقبل التّكبير صحّت صلاته لأنّ الكلام لا ينافي العزم المتقدّم ولا يناقض النّيّة المتقدّمة فتستمر إلى أن يوجد مناقض‏.‏

الكلام في الصّلاة

16 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الصّلاة تبطل بالكلام لما روى زيد بن أرقم رضي الله عنه قال‏:‏ «كنّا نتكلّم في الصّلاة ، يكلّم الرّجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصّلاة حتّى نزلت ‏{‏وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ‏}‏ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام»‏,‏ وعن معاوية بن الحكم السلميّ رضي الله عنه قال‏:‏ «بينا أنا أصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت‏:‏ يرحمك اللّه ، فرماني القوم بأبصارهم ، فلمّا صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمّي ما رأيت معلّماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه ، فواللّه ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ، قال‏:‏ إنّ هذه الصّلاة لا يصلح فيها شيء من كلام النّاس إنّما هو التّسبيح والتّكبير وقراءة القرآن»‏.‏

وتفصيل ذلك في‏:‏ ‏(‏صلاة ف 107‏)‏‏.‏

الكلام أثناء الخطبة وقبلها وبعدها وبين الخطبتين

17 - ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّة في القديم إلى أنّ الكلام يحرم أثناء خطبة الجمعة ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة فلا يجوز الكلام لأحدٍ من الحاضرين‏,‏ ونهى عن ذلك عثمان وابن عمر‏,‏ وقال ابن مسعودٍ‏:‏ إذا رأيته يتكلّم والإمام يخطب فأقرع رأسه بالعصا‏,‏ واستدلوا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ‏}‏ قال أكثر المفسّرين نزلت في الخطبة وسمّيت الخطبة قرآناً لاشتمالها على القرآن الّذي يتلى فيها‏,‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه‏:‏ «إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت» واللّغو الإثم‏.‏

قال الكمال بن الهمام‏:‏ يحرم في الخطبة كلام وإن كان أمراً بمعروفٍ أو تسبيحاً والأكل والشرب والكتابة‏,‏ ويكره تشميت العاطس ورد السّلام‏.‏

وعن أبي يوسف لا يكره الرّد لأنّه فرض‏.‏

وصرّح الدّردير بحرمة ردّ السّلام أثناء الخطبة وتشميت عاطسٍ ، ونهي لاغٍ أو إشارةٍ له وأكلٍ أو شربٍ‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ إذا سمع الإنسان متكلّماً لم ينهه بالكلام لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا قلت لصاحبك أنصت فقد لغوت» ولكن يشير إليه‏,‏ نصّ عليه أحمد‏,‏ فيضع أصبعه على فيه‏,‏ وممّن رأى أن يشير ولا يتكلّم زيد بن صوحان وعبد الرّحمن بن أبي ليلى والثّوري والأوزاعي وابن المنذر‏,‏ وكره الإشارة طاووس‏.‏

وذهب الشّافعي في الجديد وأحمد في روايةٍ أخرى إلى أنّه لا يحرم الكلام‏,‏ والإنصات سنّة‏,‏ لما ورد‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عليه رجل وهو يخطب يوم الجمعة ، فقال‏:‏ متى السّاعة ‏؟‏ فأومأ النّاس إليه بالسكوت فلم يفعل وأعاد الكلام فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعد الثّالثة‏:‏ ويحك ما أعددت لها ‏؟‏ قال‏:‏ حب اللّه ورسوله ، فقال‏:‏ إنّك مع من أحببت»‏.‏

ولم ينكر عليهم النّبي صلى الله عليه وسلم كلامهم ولو حرم عليهم لأنكره عليهم‏.‏

وروى أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «بينما النّبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ قام رجل فقال‏:‏ يا رسول اللّه هلك الكراع وهلك الشّاة فادع اللّه أن يسقينا‏.‏‏.‏» وذكر الحديث‏.‏

وورد أنّ عثمان دخل وعمر يخطب فقال عمر‏:‏ ما بال رجالٍ يتأخّرون بعد النّداء ، فقال عثمان‏:‏ يا أمير المؤمنين ما زدت حين سمعت النّداء أن توضّأت‏,‏ فدلّت الأحاديث على جواز الكلام حال الخطبة‏.‏

18 - وقال الشّافعيّة‏:‏ يجوز الكلام قبل الشروع في الخطبة وبعد الفراغ منها وقبل الصّلاة‏,‏ وفيما بين الخطبتين خلاف‏,‏ والظّاهر أنّه لا يحرم وجزم به في المهذّب‏,‏ هذا في الكلام الّذي لا يتعلّق به غرض مهم‏,‏ فأمّا إذا رأى أعمى يقع في بئرٍ أو عقرباً تدب على إنسانٍ فأنذره فلا يحرم بلا خلافٍ‏,‏ وكذا لو أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكرٍ فإنّه لا يحرم قطعاً وقد نصّ على ذلك الشّافعي واتّفق عليه الأصحاب‏.‏

ووافق الحنابلة الشّافعيّة في جواز الكلام قبل الخطبتين وبعدهما وبينهما إذا سكت الإمام‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ إذا خرج الإمام يوم الجمعة ترك النّاس الصّلاة والكلام حتّى يفرغ من خطبته‏.‏

وقال أبو يوسف ومحمّد‏:‏ لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبّر‏,‏ واختلفا في جلوسه إذا سكت‏:‏ فعند أبي يوسف يباح الكلام في هذه الحالة لأنّ الكراهة للإخلال بفرض الاستماع ولا استماع هنا‏.‏

وعند محمّدٍ لا يباح الكلام لإطلاق الأمر‏.‏

وعند المالكيّة يحرم الكلام بين الخطبتين ويجوز بعد الخطبة‏.‏

الكلام في المساجد

19 - اختلف الفقهاء في الكلام في المساجد‏:‏

فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى كراهة الكلام في المساجد بأمرٍ من أمور الدنيا‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ والكلام المباح فيه مكروه يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب فإنّه مكروه والكراهة تحريميّة‏,‏ لأنّ المساجد لم تبن له‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ ويكره أن يخوض في حديث الدنيا‏,‏ ويشتغل بالطّاعة من الصّلاة والقراءة والذّكر‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى جواز الكلام المباح في المسجد‏,‏ قال النّووي‏:‏ يجوز التّحدث بالحديث المباح في المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات وإن حصل فيها ضحك ونحوه ما دام مباحاً لحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الّذي يصلّي فيه الصبح حتّى تطلع الشّمس ، فإذا طلعت الشّمس قام ، وكانوا يتحدّثون فيأخذون في أمر الجاهليّة فيضحكون ويتبسّم»‏.‏

الكلام عند قراءة القرآن

20 - ذهب الحنفيّة في ظاهر المذهب إلى حرمة الكلام عند قراءة القرآن فإنّ استماع القرآن والإنصات له أي الإمساك عن الكلام عند قراءته واجب مطلقاً سواء في الصّلاة أو خارجها سواء فهم المعنى أو لا‏,‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏‏.‏

ويكره السّلام عندهم تحريماً عند قراءة القرآن على القارئ جهراً كان أو خفيةً‏,‏ أمّا غير القارئ فيكره السّلام عليه إذا كانت القراءة جهراً‏.‏

قال الحليمي‏:‏ يكره الكلام عند قراءة القرآن‏,‏ ويكره أيضاً قطع القراءة لمكالمة أحدٍ‏,‏ واستدلّ بما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه‏,‏ ولأنّ كلام اللّه لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره‏.‏

ويسن الاستماع لقراءة القرآن وترك الكلام واللّغط والحديث لحضور القراءة‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏استماع ف 3 وما بعدها‏,‏ وتلاوة ف 17‏,‏ وقرآن ف 16‏)‏‏.‏

الكلام في الطّواف

21 - صرّح الحنفيّة بكراهة الكلام أثناء الطّواف لكنّه محمول على ما لا حاجة فيه‏,‏ لأنّ ذلك يشغله عن الدعاء‏,‏ وإلى هذا ذهب المالكيّة‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى جواز الكلام في الطّواف ولا يبطل به ولا يكره‏,‏ لكن الأولى والأفضل ترك الكلام في الطّواف إلا أن يكون كلاماً في خيرٍ كأمرٍ بمعروفٍ أو نهيٍ عن منكرٍ أو تعليم جاهلٍ أو جواب فتوى‏,‏ لحديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الطّواف بالبيت صلاة إلا أنّ اللّه تعالى أحلّ لكم فيه الكلام فمن يتكلّم فلا يتكلّم إلا بخيرٍ»‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ ويستحب أن يدع الحديث والكلام في الطّواف إلا ذكر اللّه تعالى‏,‏ أو قراءة القرآن أو أمراً بمعروفٍ أو نهياً عن منكرٍ أو ما لا بدّ منه‏,‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الطّواف بالبيت صلاة فأقلوا من الكلام»‏,‏ وفي لفظٍ آخر عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «الطّواف حول البيت مثل الصّلاة إلا أنّكم تتكلّمون فيه فمن تكلّم فيه فلا يتكلّمن إلا بالخير»‏,‏ قال التّرمذي‏:‏ العمل على هذا عند أكثر أهل العلم‏,‏ يستحبون أن لا يتكلّم الرّجل في الطّواف إلا لحاجةٍ أو بذكر اللّه تعالى أو من العلم‏.‏

والكلام المباح الّذي يحتاج إليه لا بأس به‏,‏ أمّا الكلام غير المحتاج إليه فإنّه يكره لقول ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ أقلوا الكلام في الطّواف فإنّما أنتم في صلاةٍ‏.‏

وروي عن عطاءٍ قال‏:‏ طفت خلف ابن عمر وابن عبّاسٍ رضي الله عنهم فما سمعت واحداً منهما متكلّماً‏.‏

الحلف على أن يكلّم أو لا يكلّم‏,‏ والنّذر كذلك

22 - إذا حلف إنسان على أنّه لا يكلّم فلاناً أو يكلّمه أو قال‏:‏ للّه عليّ كذا إذا تكلّمت مع فلانٍ أو لم أتكلّم معه فله حالات‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏أيمان ف 136 وما بعدها‏,‏ ونذر‏)‏‏.‏

الكلام على الطّعام

23 - قال ابن الجوزيّ‏:‏ من آداب الأكل أن لا يسكتوا على الطّعام بل يتكلّمون بالمعروف ويستحب أن يباسط الإخوان بالحديث الطّيّب عند الأكل والحكايات الّتي تليق بالحال إذا كانوا منقبضين ليحصل لهم الانبساط ويطول جلوسهم‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ ولا يتكلّم بما يستقذر بل يذكر نحو حكايات الصّالحين فإنّ من آداب الأكل الكلام على الطّعام ولا يسكت عن الكلام فإنّ السكوت المحض من سير الأعاجم‏,‏ بل عليه أن يتحدّث بالمباح وحكايات الصّالحين ومن هذا قيل‏:‏ الصّمت على الطّعام من سيرة الجهلاء واللّئام‏,‏ لا من سيرة العلماء الكرام‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يسن الحديث غير المحرّم كحكايات الصّالحين على الطّعام‏,‏ وتقليل الكلام أولى‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يكره لمن يأكل مع غيره أن يتكلّم بما يستقذر أو بما يضحكهم أو يخزيهم‏,‏ ويستحب أن يتكلّم بالحديث الطّيّب أثناء الطّعام‏.‏

الكلام عند الجماع

24 - ذهب جمهور الفقهاء الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى كراهة الكلام عند الجماع‏.‏

قال الحنفيّة‏:‏ يكره الكلام عند الجماع للنّهي عنه‏,‏ وقيل مكروه تنزيهاً‏,‏ وقيل تحريماً‏,‏ وقالوا‏:‏ يكره الكلام في ثلاثة مواضع‏:‏

بعد طلوع الفجر والخلاء وعند الجماع لأنّه أقوى في إساءة الأدب‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ المجامع يكره له التّكلم إلا لضرورةٍ‏,‏ فإن عطس عند قضاء الحاجة أو لجماعٍ حمد اللّه بقلبه ولا يحرّك لسانه‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ وتكره كثرة الكلام حال الوطء‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ ويكره الإكثار من الكلام حال الجماع لأنّه يكره الكلام حال البول وحال الجماع في معناه‏.‏

وروي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه يكره أن يذكر اللّه على حالين على الخلاء والرّجل يواقع أهله‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ للرّجل أن يكلّم امرأته عند الوطء ولا إشكال في جوازه ولا وجه للكراهة‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏وطء‏)‏‏.‏

هجر الكلام مع الزّوجة وغيرها

25 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز للزّوج أن يهجر زوجته بالكلام‏.‏

فقال الرّملي‏:‏ يحرم هجر الزّوجة بالكلام فيما زاد على ثلاثة أيّامٍ لكلّ أحدٍ منهما إلا إن قصد به ردّها عن المعصية وإصلاح دينها لا حظّ نفسه‏,‏ ولا الأمرين فيما يظهر‏,‏ لجواز الهجر لعذرٍ شرعيٍّ ككون المهجور نحو فاسقٍ أو مبتدعٍ وكصلاح دينه أو دين الهاجر‏,‏ ولو علم أنّ هجره يحمله على زيادة الفسق فينبغي امتناعه عن الهجر‏.‏

وقال الرّحيباني‏:‏ هجر الزّوجة في الكلام ثلاثة أيّامٍ لا فوقها‏,‏ لحديث أبي أيوب رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ»‏.‏

ويحرم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيّامٍ إلا لبدعةٍ في المهجور أو تظاهرٍ بفسقٍ أو نحو ذلك‏,‏ وقد هجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الثّلاثة الّذين خلّفوا ونهى الصّحابة عن كلامهم كما جاء في صحيح البخاريّ‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ ‏(‏هجر‏,‏ ونشوز‏)‏‏.‏

منع الزّوجة من كلام أبويها

26 - نصّ الحنابلة على أنّه ليس للزّوج منع الزّوجة من كلام أبويها‏.‏

قال في كشّاف القناع‏:‏ ولا يملك الزّوج منعها من كلام أبويها‏,‏ ولا يملك منعهما من زيارتها‏,‏ لأنّه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق إلا مع ظنّ حصول ضررٍ يعرف بقرائن الحال بسبب زيارتهما‏.‏

وللفقهاء تفصيل في زيارة المرأة لأبويها وسائر أهلها ينظر في‏:‏ ‏(‏زيارة ف 8‏)‏‏.‏

الكلام مع المرأة الأجنبيّة

27 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجوز التّكلم مع الشّابّة الأجنبيّة بلا حاجةٍ لأنّه مظنّة الفتنة‏,‏ وقالوا إنّ المرأة الأجنبيّة إذا سلّمت على الرّجل إن كانت عجوزاً ردّ الرّجل عليها لفظاً أمّا إن كانت شابّةً يخشى الافتتان بها أو يخشى افتتانها هي بمن سلّم عليها فالسّلام عليها وجواب السّلام منها حكمه الكراهة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏,‏ وذكر الحنفيّة أنّ الرّجل يرد على سلام المرأة في نفسه إن سلّمت عليه وترد هي في نفسها إن سلّم عليها‏,‏ وصرّح الشّافعيّة بحرمة ردّها عليه‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏سلام ف 19‏)‏‏.‏

الغيبة بالكلام

28 - الغيبة حرام باتّفاق الفقهاء‏,‏ وهي تكون بالكلام‏,‏ وتكون بغيره كالإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة وكل ذلك داخل في الغيبة‏.‏

وللتّفصيل انظر‏:‏ ‏(‏غيبة ف 7‏,‏ 8‏)‏‏.‏

قطع كلام الغير

29 - يكره قطع كلام الغير من غير ضرورةٍ لكلامه خصوصاً إذا كان الكلام المقطوع في مذاكرة العلم أو تكرار الفقه فهو أشد كراهةً‏.‏

الكلام أثناء الذّكر والتّسبيح

30 - يكره الكلام أثناء الذّكر والتّسبيح والدعاء وقراءة القرآن وتفسيره وكذا بين السنن والفرائض حتّى قيل‏:‏ التّكلم بين السنّة والفرض ينقص الثّواب ولا يسقطه‏.‏

تخلل الكلام الأجنبيّ بين الإيجاب والقبول

31 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يجب أن لا يتخلّل العقد كلام أجنبي‏.‏

وصرّح المالكيّة‏:‏ بأنّه لا يضر في البيع الفصل بين الإيجاب والقبول إلا أن يخرج عن البيع لغيره عرفاً‏.‏

والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏عقد ف 18 وما بعدها‏)‏‏.‏